بِهِ جِنَّةٌ) ما نوح إلا رجل به جنون. وقد يقال أيضا للجنّ: جنة، فيتفق الاسم والمصدر، وهو من قوله: (إِنْ هُوَ) كناية اسم نوح. وقوله: (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) يقول: فتلبثوا به، وتنظروا به حتى حين، يقول: إلى وقت مَّا، ولم يَعْنُوا بذلك وقتا معلوما، إنما هو كقول القائل: دعه إلى يوم مَّا، أو إلى وقت مَّا، وقوله: (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ) يقول: قال نوح داعيا ربه، مستنصرا به على قومه؛ لما طال أمره وأمرهم، وتمادوا في غيهم: (رَبِّ انْصُرْنِي) على قومي (بِمَا كَذَّبُونِ) يعني بتكذيبهم إياي، فيما بلَّغتُهم من رسالتك، ودعوتهم إليه من توحيدك. وقوله: (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنِا وَوَحْيِنَا) يقول: فقلنا له حين استنصرنَا على كَفَرة قومه: اصنع الفلك، وهي السفينة؛ بأعيننا، يقول: بمرأى منا، ومنظر، ووحينا، يقول: وبتعليمنا إياك صنعتها، (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا) يقول: فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم وهلاكهم (وَفَارَ التَّنُّورُ) .

وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف المختلفين في صفة فور التنور. والصواب عندنا من القول فيه بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

(فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يقول: فادخل في الفلك واحمل. والهاء والألف في قوله: (فِيهَا) من ذكر الفلك (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يقال: سلكته في كذا، وأسلكته فيه، ومن سلكته قول الشاعر:

وكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرّدْ ... وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ (?)

وبعضهم يقول: أسلكت بالألف، ومنه قول الهُذَلي.

حتى إذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتائِدَةٍ ... شَلا كمَا تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّردَا (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015