تفسير الشعراوي (صفحة 9628)

118

بعد أن تكلمت الآيات فيما أحلَّ الله وفيما حرَّم، وبيَّنتْ أن التحليل أو التحريم لله تعالى، جاءت لنا بصورة من التحريم، لا لأن الشيء ذاته مُحرَّم، بل هو مُحرَّم تحريم عقوبة، كالذي مثَّلْنَا له سابقاً بحرمان الطفل من الحلوى عقاباً له على سُوء فِعْله.

والذين هادوا هم: اليهود عاقبهم الله بتحريم هذه الأشياء، مع أنها حلال في ذاتها، وهذا تحريم خاصٌّ بهم كعقوبة لهم.

وقوله تعالى:

{مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ. .} [النحل: 118] .

المراد ما ذُكِر في سورة الأنعام من قوله تعالى: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146] .

كل ذي ظفر: الحيوان ليس منفرجَ الأصابع، والحوايا: هي المصارين والأمعاء، ونرى أن كل هذه الأشياء المذكورة في الآية حلال في ذاتها، ومُحلَّلة لغير اليهود، ولكن الله حرَّمها عليهم عقوبةً لهم على ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء: 160 - 161] .

أي: بسبب ظلمهم حَرَّمنا عليهم هذه الطيبات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015