تفسير الشعراوي (صفحة 2778)

وحين نقرأ القرآن نجده يعرض مثل هذه المسألة، فسيدنا نوح عليه السلام عندما تلقى وحي الله بأن يصنع السفينة، وجلس يصنعها ويمر عليه الناس فيسخرون منه فيقول لهم سيدنا نوح: سنسخر منكم غداً كما تسخرون منا. ويأتي له ابن ليس على منهجه، فيدعوه نوح إلى المنهج فيقول الابن: «لا» . ويركب نوح السفينة ويقول لله: لقد وعدتني أن تنجيني أنا وأهلي.

وهنا يوضح الحق: صحيح أنا أنجيك أنت وأهلك، ولكن ما الذي جعلك تعتبر ابنك من أهلك، إن الذوات عند الأنبياء لا نسب لها، إنما نسب الأنبياء الأعمال: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] .

إن العمل هو الذي يتم تقييمه. ولذلك يقول الحق: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله} والهجرة من «هجر» ، و «هجر» يعني أن الإنسان قد عدل من مكان إلى مكان، أو عن ود إلى ود، أو عن خصلة إلى خصلة، والذي يَهجر عادة يتجنى على من «هُجر» ، لنلاحظ أن الله سبحانه وتعالى في كتابه عندما يأتي بالحدث. يأتي ب «هاجر» ، ولم يأت بالحادث «هجر» ، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يهجر مكة. ولكنه هاجر منها، ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:

«والله إنك لأحب أرض الله إليّ وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت» .

فالهجرة جاءت؛ لأن أهل مكة هجروه أولاً، فاضطر أن يهاجر. و «هاجر» على وزن «فاعل» . والمتنبي يقول:

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون همو

ولذلك جاء الحق بالهجرة على صيغة المفاعلة. لقد كرهوا دعوته. واستجاب الرسول للكراهية فهاجر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015