تفسير الشعراوي (صفحة 13675)

وهذا الاعتراض ناتج عن ظنهم أن الآيتين بمعنى واحد، وهما مختلفتان، فالأولى {وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ... } [الإسراء: 31] فالفقر هنا غير موجود وهم يخافونه، أما في: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ ... } [الأنعام: 151] فالفقر موجود فعلاً. فهما مختلفتان في الصَّدْر، وكذلك مختلفتان في العَجُز.

ففي الأولى قال: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ... } [الإسراء: 31] لأن الفقر غير موجود، وأنت غير مشغول برزقك، فبدأ بالأولاد، أمّا في الثانية فقال: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ... } [الأنعام: 151] وقدم الآباء؛ لأن الفقر موجود، والإنسان مشغول أولاً برزق نفسه قبل رزق أولاده.

إذن: فلكل آية معنى وانسجام بين صَدْرها وعَجُزها، المهم أن تتدبر لغة القرآن، وتفهم عن الله مراده.

وقوله سبحانه: {وَهُوَ السميع العليم} [العنكبوت: 60] واختار هنا السميع العليم؛ لأن الحق سبحانه له قيُّومية على خَلْقه، فلم يخلقهم ثم يتركهم للنواميس، إنما خلق الخَلْق وهو سبحانه قائم عليه بقيوميته تعالى؛ لذلك يقول في بيان عنايته بصنعته {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ... } [البقرة: 255] يعني: يا عبادي ناموا مِلْءَ جفونكم؛ لأن ربكم لا ينام.

ومناسبة السميع هنا؛ أن الجوع إذا هَزَّ إنساناً ربما يصيح صيحة، أو يُحِدث شيئاً يدل على أنه جائع، فكأنه يقول: لم أجعلكم كذلك.

ثم يقول الحق سبحانه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015