كأن ترى ولدك يُرهق نفسه في المذاكرة، فتشفق عليه أنْ يُهلك نفسه، فأنت تعتب عليه لصالحه، كذلك الحق تبارك وتعالى يعتب على رسوله شفقة وخوفاً عليه أنْ يُهلِك نفسه.
ومعنى {بَاخِعٌ} [الشعراء: 3] البخع: الذَّبْح الذي لا يقتصر على قَطْع المرىء والودجين، إنما يبالغ فيه حتى يفصل الفقرات، ويخرج النخاع من بينها، والمعنى: تحزن حزناً عميقاً يستولي على نفسك حتى تهلك، وهذا يدل على المشقة التي كان يعانيها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من تكذيب قومه له.
وفي موضع آخر، يقول سبحانه لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] فهذا أمر نهائي واضح، ونَهْي صريح، بعد أنْ لفتَ نظره بالإنكار، فقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} [الشعراء: 3] .
وقد نبّه الله تعالى رسوله في عِدّة مواضع حتى لا يُحمِّل نفسه فوق طاقتها، فقال الحق سبحانه وتعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب} [الرعد: 40] .
وقال: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] .
وقال: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] .
فالحق تبارك وتعالى يقول لرسوله: يسِّر على نفسك، ولا تُكلِّفها تكليفاً شاقّاً مُضْنياً، والعتاب هنا لصالح الرسول، لا عليه.