رؤية، لأن الرائي يحدد المرئي، وهذا مُحَال على الله عَزَّ وَجَلَّ.
ونقول للمعتزلة: أنتم تأخذون المسائل بالنسبة لله، كما تأخذونها بالنسبة لمخلوقات الله، لماذا لا تأخذون كل شيء بالنسبة لله تعالى في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فإذا كان لكم ببعض لقاء يقتضي الوَصْل، فالله تعالى لقاء لا يقتضي الوصل، وإذا كانت الرؤية تحدد فلله تعالى رؤية لا تحدد. إن لك سَمْعاً ولله سمع أسمعُك كسمع الله عَزَّ وَجَلَّ؟ إذن: لماذا تريد أن يكون لقاء الله كلقائك يقتضي تجسُّداً، أو رؤيته كرؤيتك؟
لذلك في قصة رؤية موسى عليه السلام لربه عَزَّ وَجَلَّ، ماذا قال موسى؟ قال: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] فطلب من ربه أن يُريه لأنه لا يستطيع ذلك بذاته، ولا يصلح لهذه الرؤية، ألا أن يُريه الله ويطلعه، فالمسألة ليست من جهة المرئيّ، إما من جهة الرائي. لكن هل قرَّعه الله على طلبه هذا وقال عنه: استكبر وعتا عُتُواً كبيراً كما قال هنا؟ لا إنما قال له: {لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] ولم يقُلْ سبحانه: لن أُرَى، وفرْق بين العبارتين.
فقوله: {لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] المنع هنا ليس من المرئيّ بل المنع من الرائي؛ لذلك أعطاه ربه عَزَّ وَجَلَّ الدليل: {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}
[الأعراف: 143] يعني: أأنت أقوى أم الجبل؟ {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً} [الأعراف: 143] .
ولاحظ: {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143] كلمة تجلى أي: أن الله تعالى يتجلى على بعض خَلْقه، لكن أيصبرون على هذا التجلي؟ وليس الجبل أكرم عند الله من الإنسان الذي سخّر اللهُ له الجبل وكلّ شيء في الوجود.