وقد أوضح الحق - سبحانه وتعالى - هذه المسألة في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}
[آل عمران: 96] .
وحتى نتفق على فَهْم الآية نسأل: مَنْ هُم الناس؟ الناس هم آدم وذريته إلى أن تقوم الساعة، إذن: فآدم من الناس، فلماذا لا يشمله عموم الآية، فالبيت وُضِع للناس، وآدم من الناس، فلا بُدَّ أن يكون وَُضِع لآدم أيضاً.
إذن: يمكنك القول بأن البيت وَُضِع حتى قبل آدم؛ لذلك نُصدِّق بالرأي الذي يقول: إن الملائكة هي التي وضعتْ البيت أولاً، ثم طمسَ الطوفانُ معالم البيت، فدلَّ الله إبراهيم بوحي منه على مكان البيت، وأمره أنْ يرفعه من جديد في هذا الوادي.
ويُقال: إن الله تعالى أرسل إلى إبراهيم سحابة دَلَّتْه على المكان، ونطقتْ: يا إبراهيم خُذْ على قدري، أي: البناء.
ولو تدبرتَ معنى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت. .} [البقرة: 127] الرَّفْع يعني: الارتفاع، وهو البعد الثالث، فكأن القواعد كان لها طُول وعَرْض موجود فعلاً، وعلى إبراهيم أنْ يرفعها.
لكن لماذا بوَّأ الله لإبراهيم مكان البيت؟
لما أسكن إبراهيم ذريته عند البيت قال: {رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة. .} [إبراهيم: 37] كأن المسألة من بدايتها مسألة عبادة وإقامة للصلاة،