{كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء لعذبهم فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار (3) ذَلِك بِأَنَّهُم شاقوا الله وَرَسُوله وَمن يشاق الله فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب (4) مَا قطعْتُمْ من لينَة} الإخراب، فَمنهمْ من قَالَ: هما وَاحِد، وَالتَّشْدِيد للتكثير. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يخربون من فعل التخريب، ويخربون بِالتَّخْفِيفِ أَي: يتركوها خرابا. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} وَلَا يتَصَوَّر أَن يخربوا بُيُوتهم بأيدي الْمُؤمنِينَ؟ وَالْجَوَاب: إِنَّمَا أضَاف إِلَيْهِم؛ لأَنهم هم الَّذين ألجأوا الْمُؤمنِينَ إِلَى التخريب، وحملوهم على ذَلِك بامتناعهم عَن الْإِيمَان. فَإِن قَالَ قَائِل: لم يخربوا بُيُوتهم؟ قُلْنَا: طلبُوا من ذَلِك توسيع مَوضِع الْقِتَال. وَعَن الزُّهْرِيّ: أَن الْمُسلمين كَانُوا يخربون من خَارج الْحصن، وَالْيَهُود كَانُوا يخربون من دَاخل الْحصن، وَكَانَ تخريبهم ذَلِك ليحملوا مَا استحسنوه من سقوف بُيُوتهم مَعَ أنفسهم. وَقيل: لِئَلَّا تبقى للْمُؤْمِنين.
وَقَوله: {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَالِاعْتِبَار هُوَ النّظر فِي الشَّيْء ليعرف بِهِ جنسه وَمثله. وَقيل مَعْنَاهُ: فانظروا وتدبروا يَا ذَوي الْعُقُول والفهوم، كَيفَ سلط الله الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِم، وسلطهم على أنفسهم؟ وَقد اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة على جَوَاز الْقيَاس فِي الْأَحْكَام، لِأَن الْقيَاس نوع اعْتِبَار؛ إِذْ هُوَ تَعْبِير شَيْء بِمثلِهِ بِمَعْنى جَامع بَينهمَا ليتفقا فِي حكم الشَّرْع.