قَوْله تَعَالَى: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} القَوْل الْمَعْرُوف فِي الْآيَة أَنه لما توجه إِلَى مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة مُعْتَمِرًا هُوَ وَأَصْحَابه، وَسَاقُوا الْهَدْي مَعَ أنفسهم، فَلَمَّا بلغُوا الْحُدَيْبِيَة، وَهِي بِئْر بمَكَان مَعْلُوم على طرف الْحرم، وَتلك الْبقْعَة سميت باسم الْبِئْر، وَقد ظَهرت معْجزَة لرَسُول الله فِي هَذَا الْبِئْر؛ " فَإِن أَصْحَاب رَسُول الله وَرَضي [الله] عَنْهُم لما وصلوا إِلَيْهَا نزحوها حَتَّى لم يبْق من المَاء شَيْء فشكوا إِلَى رَسُول الله الْعَطش؛ فجَاء رَسُول الله وَقعد على شَفير الْبِئْر ودعا بِمَاء فَتَمَضْمَض بِهِ وصبه فِي الْبِئْر، فَجَاشَتْ الْبِئْر بالروى، فاستقى النَّاس، وَسقوا الركاب، وَلم ينزف بعد ".
رَجعْنَا إِلَى أصل الْقِصَّة: " فَلَمَّا بلغُوا الْحُدَيْبِيَة بَركت نَاقَة النَّبِي وَهِي الْقَصْوَاء، فبعثوها فَلم (تنبعث) ، فَقَالُوا: خلأت الْقَصْوَاء. فَقَالَ رَسُول الله: " مَا خلأت، وَلَا هُوَ لَهَا بِخلق، وَلكنهَا حَبسهَا حَابِس الْفِيل، وَالله لَا يَسْأَلُونِي خطة فِيهَا تَعْظِيم حرم الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا "، ثمَّ دَعَا عمر وَأَرَادَ أَن يَبْعَثهُ إِلَى أهل مَكَّة يستأذنهم فِي الدُّخُول، ليقضي عمرته، وينحر هَدْيه، فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله، مَا لي بهَا من حميم وَلَا عشيرة وَقد عرفُوا شدَّة عَدَاوَتِي لَهُم، وَإِنِّي أَخَافهُم على نَفسِي، وَلَكِن أدلك على من هُوَ أعز مني بهَا عسيرة، قَالَ: " وَمن ذَلِك؟ "، قَالَ: عُثْمَان، فَأرْسلهُ إِلَى مَكَّة. ثمَّ إِنَّه بلغ النَّبِي أَن عُثْمَان قتل، وَعَن بَعضهم أَن إِبْلِيس خرج وَقَالَ: إِن عُثْمَان قتل فَحِينَئِذٍ قَامَ النَّبِي واستند إِلَى الشَّجَرَة وَهِي شَجَرَة سَمُرَة فَبَايع مَعَ أَصْحَابه وَهِي بيعَة الرضْوَان، وَكَانَ بَايع على الْقِتَال إِلَى أَن يموتوا، وَيُقَال: بَايع على أَلا يَفروا " وَاخْتلف القَوْل فِي عدد الْقَوْم، قَالَ ابْن أبي أوفى: