عَبث وَلَا هزل، ثمَّ ذكر تَفْصِيلًا آخر بعده، فَجعل الْبَعْض محكما وَالْبَعْض متشابها.
{فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} قَالَ مُجَاهِد: الزيغ: اللّبْس. وَقيل: هُوَ الشّرك، وَقيل: هُوَ الشُّبُهَات الَّتِي تتَعَلَّق بِالْقَلْبِ {فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله} يَعْنِي: أَن الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ يغلون فِي طلب التَّأْوِيل للمتشابه؛ فيقعون على التَّأْوِيل المظلم؛ فَذَلِك ابْتِغَاء الْفِتْنَة؛ لِأَن من غلا فِي الدّين، وَطلب تَأْوِيل مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله، يَقع فِي الْفِتْنَة، وَيكون مفتونا، وَخير الدّين: النمط الْأَوْسَط الَّذِي لَيْسَ فِيهِ غلو وَلَا تَقْصِير.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الَّذين يتبعُون مَا تشابه من هم؟ قيل: هم الْيَهُود الَّذين قَالُوا: مُدَّة أمة مُحَمَّد على حُرُوف التهجي، وَقيل: هم النَّصَارَى من وَفد نَجْرَان، حَيْثُ قَالُوا لرَسُول الله: مَا تَقول فِي عِيسَى؟ فَقَالَ: عبد الله وَرَسُوله، قَالُوا: فَهَل تَقول: أَنه كلمة الله وروح مِنْهُ؟ فَقَالَ: نعم، قَالُوا: حَسبنَا الله. وَاتبعُوا مَا تشابه من قَوْله: كلمة الله وروح مِنْهُ. وَقيل: هم الغالون فِي طلب التَّأْوِيل وَاتِّبَاع الْمُتَشَابه، وروت عَائِشَة " أَن النَّبِي قَرَأَ هَذِه الْآيَة، ثمَّ قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يجادلون فِي الْآيَات فاحذروهم فهم هم ".
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعلم التَّأْوِيل، وَقطع أفهام الْعباد عَنهُ، وَالْفرق بَين التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير: أَن التَّفْسِير: هُوَ ذكر الْمَعْنى الْوَاضِح، كَمَا تَقول فِي قَوْله: {لَا ريب فِيهِ} أَي: لَا شكّ فِيهِ، وَأما التَّأْوِيل: هُوَ مَا يؤول الْمَعْنى إِلَيْهِ، ويستقر عَلَيْهِ. ثمَّ الْكَلَام فِي الْوَقْف، فَاعْلَم: أَن أبي بن كَعْب وَعَائِشَة