تفسير السمعاني (صفحة 5195)

السَّلَام مَيتا بعد حول، وَقد فرغوا من الْعَمَل؛ فَلَمَّا عرفُوا مَوته تفَرقُوا بعد أَن بقوا فِي الْعَمَل سنة بعد مَوته. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَشَكَرت الْجِنّ ذَلِك للأرضة، فهم يأتونه بالطين وَالْمَاء فِي جَوف الْخشب. وَذكر بَعضهم: أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا رأى شَجَرَة نابتة سَأَلَهَا: مَا اسْمك؟ فتخبره إِن كَانَت للغرس غرست، وَإِن كَانَت للدواء كتب اسْمهَا، فصلى مرّة فَرَأى شَجَرَة نَبتَت فِي مصلاة، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمك؟ قَالَت: الخروب، فَقَالَ: لم نبت؟ قَالَت: لخراب هَذِه الأَرْض، فَعلم أَن مَوته قد قرب، فَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يعمي على الْجِنّ مَوته. فَقَالَ أهل التَّفْسِير: وَكَانَت الْجِنّ تزْعم أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب، فَأمر الله تَعَالَى سُلَيْمَان أَن يتَّخذ عَصا ويتوكأ عَلَيْهَا. وَقيل: اتخذها من تِلْكَ الشَّجَرَة فَقبض الله تَعَالَى روحه وَهُوَ قَائِم متوكئ على الْعَصَا، فَكَانَت الْجِنّ ينظرُونَ إِلَيْهِ ويظنون أَنه حَيّ، ويعملون إِلَى أَن سقط بعد حول. وَأَرَادَ الله تَعَالَى بذلك أَن يعلم الْجِنّ أَنهم لَا يعلمُونَ الْغَيْب، وَقيل: ليعلم الْإِنْس أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ الْغَيْب وَكَانُوا قد شبهوا على الْإِنْس ذَلِك، فَإِن قيل على التَّأْوِيل الأول: كَيفَ يشْتَبه على أحد أَنه يعلم الْغَيْب أَو لَا يعلم الْغَيْب؟ وَإِن خَفِي عَلَيْهِ أَمر غَيره لَا يخفى عَلَيْهِ أَمر نَفسه؟ وَالْجَوَاب: أَن مَرَدَة الْجِنّ كَانُوا صوروا لِضُعَفَاء الْجِنّ أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب، وَكَانَ يَقع بعض الاتفاقات، فَكَانُوا يظنون أَنهم يعلمُونَ الْغَيْب لغَلَبَة الْجَهْل، وَعند بَعضهم: أَن عَمَلهم لم يكن فِي بِنَاء مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس، فَإِنَّهُ قد كَانَ وَقع الْفَرَاغ عَن فعل ذَلِك بسنين، وَإِنَّمَا كَانُوا يعْملُونَ غير ذَلِك من الْأَعْمَال.

وَقَوله: {تَأْكُل منسأته} أَي: عصاته، والمنسأة: الْعَصَا بلغَة الْحَبَشَة، وَقُرِئَ: " منسأته " بِسُكُون الْهمزَة، وَهِي مَا بَينا.

قَالَ الشَّاعِر:

(إِذا ادببت على المنساة من كبر ... فقد تبَاعد عَنْك اللَّهْو والغزل)

وَيُقَال كِلَاهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ. وَيُقَال: نسأت الْغنم إِذا زجرتها وسقتها وَيُقَال: نسأ الله فِي أَجلك أَي: أَخّرهُ.

وَقَوله: {فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ} أَي: تبينت الْجِنّ للإنس أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015