وَقَوله: {فِي أدنى الأَرْض} الْأَدْنَى بِمَعْنى الْأَقْرَب، وَمَعْنَاهُ: الْأَدْنَى إِلَى أَرض فَارس من أَرض الرّوم، قَالَ مُجَاهِد. هِيَ لجزيرة، وَهِي بِلَاد بَين دجلة والفرات تسمى الجزيرة مِنْهَا حران، ورحبة مَالك بن طوق، والرقة، والرهى، وَغير ذَلِك.
وَقَوله: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} مَعْنَاهُ: أَن الرّوم من بعد غَلَبَة فَارس عَلَيْهِم سيغلبون. فَإِن قيل: قَالَ: {من بعد غلبهم} وهم غلبوا وَلم يغلبوا؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: ذكر غلبتهم، وَالْمرَاد مِنْهُ غَلَبَة غَيرهم عَلَيْهِم، وَإِنَّمَا أضَاف الْغَلَبَة إِلَيْهِم لاتصال تِلْكَ الْغَلَبَة بهم، واتصال الْغَلَبَة بهم وُقُوع الْغَلَبَة عَلَيْهِم، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {ويطعمون الطَّعَام على حبه} وَالطَّعَام لَا يكون صَاحب الْحبّ، وَإِنَّمَا الْإِنْسَان هُوَ صَاحب الْحبّ، وَلَكِن إِضَافَة إِلَى الطَّعَام لاتصال الْحبّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَذَلِكَ لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد} وَالْمقَام للْعَبد إِلَّا أَنه [أَضَافَهُ] إِلَى الله؛