{من قوم مُوسَى فبغى عَلَيْهِم وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي الْقُوَّة إِذْ} والعلو. وَمن الْمَعْرُوف فِي التفاسير: أَن قَارون كَانَ أَقرَأ رجل من بني إِسْرَائِيل للتوراة، وَكَانَ حسن الصَّوْت، ثمَّ إِنَّه نَافق؛ فروى أَنه قَالَ لمُوسَى: أَنْت أخذت النُّبُوَّة، وَهَارُون أَخذ المذبح والحبورة، فأيش لي؟
وَفِي الْقِصَّة: أَنه أعْطى امْرَأَة بغيا من بني إِسْرَائِيل ألفي دِرْهَم، وَطلب مِنْهَا أَن تَأتي نَادِي بني إِسْرَائِيل، ومُوسَى فيهم، فتدعي عَلَيْهِ أَنه زنا بهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: تَدعِي عَلَيْهِ أَنه دَعَاهَا إِلَى نَفسه، فَجَاءَت وَادعت عَلَيْهِ ذَلِك. وروى أَنَّهَا خَافت، وأخبرت أَن قَارون أَعْطَاهَا مَالا لتدعي ذَلِك. وَفِي الرِّوَايَة الأولى: أَنَّهَا لما ادَّعَت على مُوسَى ذَلِك تغير مُوسَى تغيرا شَدِيدا، وَقَالَ لَهَا: بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة وفلق الْبَحْر اصدقي، فَحِينَئِذٍ خَافت، وَذكرت الْأَمر على وَجهه، فَدَعَا الله تَعَالَى مُوسَى على قَارون، فَسَلَّطَهُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ، وَجعل الأَرْض طَوْعًا لَهُ على مَا سَنذكرُهُ.
وَقَوله: {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه} فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: خزائنه، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب} أَي: خَزَائِن الْغَيْب، وَالثَّانِي: أَن المفاتح هُوَ مقاليد الخزائن. وَعَن بَعضهم: أَن كل مِفْتَاح كَانَ على قدر أصْبع، وَكَانَ يحملهَا سِتُّونَ بغلة، وَقيل: أَرْبَعُونَ بغلة، وَيُقَال: أَرْبَعُونَ رجلا، وَقَوله {لتنوء} أَي: تثقل الْعصبَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَذَا من المقلوب، وَتَقْدِيره: مَا إِن الْعصبَة لتنوء بهَا. يُقَال: ناء فلَان بِكَذَا أَي: نَهَضَ بِهِ مُثقلًا، وَيُقَال مَعْنَاهُ: لتنوء بالعصبة.
وَأما الْعصبَة فَفِيهَا أقاويل: أَحدهَا: أَنهم سَبْعُونَ رجلا، وَالْآخر: أَرْبَعُونَ رجلا، وَقَالَ بَعضهم: من الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين، وَقَالَ بَعضهم: سِتَّة أَو سَبْعَة، وَقَالَ بَعضهم: عشرَة؛ لِأَن إخْوَة يُوسُف قَالُوا: وَنحن عصبَة، وَقد كَانُوا عشرَة. والعصبة فِي اللُّغَة هم الْقَوْم الَّذين يتعصب بَعضهم بِبَعْض.
وَقَوله: {بالعصبة أولى الْقُوَّة} أَي: أولى الشدَّة.