{فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ (15) وَورث سُلَيْمَان دَاوُد وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس بِصَحِيفَة مختومة فِيهَا جَوَاب الْمسَائِل فَجمع دَاوُد الْأَحْبَار والرهبان، وأحضر سُلَيْمَان وَسَأَلَهُ عَن الْمسَائِل، وَكَانَت الْمسَائِل الْعشْر أَن دَاوُد سَأَلَ سُلَيْمَان - صلوَات الله عَلَيْهِمَا - فَقَالَ: مَا أقرب الْأَشْيَاء؟ وَمَا أبعد الْأَشْيَاء؟ وَمَا آنس الْأَشْيَاء؟ وَمَا أوحش الْأَشْيَاء؟ وَمَا الشيئان القائمان؟ وَمَا الشيئان المختلفان؟ وَمَا الشيئان المتباغضان؟ [وَمَا الَّذِي إِذا اسْتعْمل فِي أول الشَّيْء حمد فِي آخِره؟] وَمَا الَّذِي إِذا اسْتعْمل فِي أول الشَّيْء ذمّ فِي آخِره؟ فَقَالَ: أما أقرب الْأَشْيَاء فالآخرة، وَأما أبعد الْأَشْيَاء فَالَّذِي فاتك من الدُّنْيَا، وَأما آنس الْأَشْيَاء فجسد فِيهِ روحه، وَأما أوحش الْأَشْيَاء فجسد لَا روح فِيهِ، وَأما الشيئان القائمان فالسماء وَالْأَرْض، وَأما الشيئان المختلفان فالليل وَالنَّهَار، وَأما الشيئان المتباغضان فالحياة وَالْمَوْت، وَأما الَّذِي إِذا اسْتعْمل فِي أول الشَّيْء حمد فِي آخِره، فالحلم عِنْد الْغَضَب، وَأما الَّذِي إِذا اسْتعْمل فِي أول الشَّيْء ذمّ فِي آخِره فالحدة عِنْد الْغَضَب، فَلَمَّا أجَاب سُلَيْمَان بِهَذِهِ الْأَجْوِبَة، فك الْخَتْم عَن الصَّحِيفَة الَّتِي بعثها الله تَعَالَى، فَإِذا الْأَجْوِبَة على وفْق مَا قَالَ سُلَيْمَان صلوَات الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي هَذَا الْخَبَر: أَن سُلَيْمَان لما أجَاب بِهَذِهِ الْأَجْوِبَة سَأَلته الْأَحْبَار عَن مَسْأَلَة أُخْرَى فَقَالُوا: مَا الشَّيْء الَّذِي إِذا صلح صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فسد فسد الْجَسَد كُله؟ فَقَالَ: هُوَ الْقلب. فَقَالَت الْأَحْبَار لَهُ: حق لَك الْخلَافَة يَا سُلَيْمَان، فَحِينَئِذٍ اسْتَخْلَفَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام.
فَإِن قيل: إِذا كَانَ دَاوُد اسْتَخْلَفَهُ، فَكيف يَسْتَقِيم قَوْله تَعَالَى: {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} ؟ قُلْنَا: المُرَاد من الْإِرْث هَاهُنَا هُوَ قِيَامه مقَام دَاوُد فِي الْملك والنبوة وَالْعلم، وَلَيْسَ المُرَاد من الْإِرْث الَّذِي يعلم فِي الْأَمْوَال، وَهَذَا مثل قَوْلهم: الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء، وَالْمرَاد مِنْهُ مَا بَينا.