تفسير السمعاني (صفحة 4050)

2

قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَة وَالزَّانِي} قَالَ أهل الْعلم: إِنَّمَا بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ، لِأَن رقة الْقلب عَلَيْهِنَّ أَكثر، فَبَدَأَ بِهن لِئَلَّا يتْرك إِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا، وَيكون أمرهَا لَهُم، وَمِنْهُم من قَالَ: لِأَن الشَّهْوَة فِيهِنَّ أَكثر، وَالزِّنَا نتيجة الشَّهْوَة، وَبَدَأَ فِي حد السّرقَة بِالرجلِ؛ لِأَن الْقُوَّة والجراءة فِي الرِّجَال أَكثر، وَالسَّرِقَة نتيجة الْقُوَّة والجراءة، وَهَذَا قَول حسن.

وَقَوله: {فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} الْجلد: ضرب الْجلد، يُقَال: جلدته إِذا ضربت جلده، وبطنته إِذا ضربت بَطْنه، وظهرته إِذا ضربت ظَهره، وَفِي الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْآيَة عَامَّة فِي الْأَبْكَار وَالثَّيِّب، فتجلد الثّيّب مَعَ الرَّجْم. رُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - " أَنه جلد شراحة الهمدانية يَوْم الْخَمِيس مائَة، ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بِسنة رَسُول الله ".

وَأما قَول عَامَّة الْعلمَاء فَهُوَ: أَن الْآيَة مَخْصُوصَة للأبكار، وَأَن الثّيّب يرْجم وَلَا يجلد، وَاتفقَ أهل الْعلم أَن هَذِه الْآيَة ناسخة؛ لِأَن الْمَذْكُورَة فِي الْإِمْسَاك فِي سُورَة النِّسَاء.

وَقد رُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي نزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَنحن عِنْده، وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي تغير وَجهه، وصرفنا أبصارنا عَنهُ، فَلَمَّا سرى عَنهُ قَالَ: " لِتَأْخُذُوا عني فَقُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله، فَقَالَ: قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا، الثّيّب بِالثَّيِّبِ الرَّجْم، وَالْبكْر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015