تفسير السمعاني (صفحة 2688)

110

قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا انهم قد كذبُوا} قرىء بقراءتين بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، قَرَأَ أهل الْكُوفَة بِالتَّخْفِيفِ، وَالْآيَة مشكلة إِذا قُرِئت بِالتَّخْفِيفِ؛ لِأَن الْقَائِل يَقُول: كَيفَ ظن الرُّسُل أَنهم قد كذبُوا، وَلَا يجوز هَذَا على الْأَنْبِيَاء. وَكَانَت عَائِشَة تنكر هَذِه الْقِرَاءَة، وَتقول: إِنَّمَا هُوَ " كذبُوا " بِالتَّشْدِيدِ، يَعْنِي: أَن الرُّسُل ظنُّوا أَن من آمن بهم كذبوهم لشدَّة المحنة وَالْبَلَاء عَلَيْهِم، وتطاول الْمدَّة بهم، هَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. وَعَن قَتَادَة: أَن الظَّن هَاهُنَا بِمَعْنى الْيَقِين، وَمَعْنَاهُ: وأيقن الرُّسُل أَن الْقَوْم كذبوهم تَكْذِيبًا لَا يُرْجَى بعده إِيمَانهم، وَهُوَ تَأْكِيد لقَوْله: {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} لِأَن مَعْنَاهُ: حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من إِيمَان قَومهمْ، أَي: أيسوا، وَأما الْقِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ هَذِه قِرَاءَة صَحِيحَة، وَهِي منقولة عَن عَليّ وَعَن عبد الله بن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَكثير من الصَّحَابَة.

وَفِي مَعْنَاهُ قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: ضعفت قُلُوب الرُّسُل - وَقد كَانُوا بشرا - بتطاول الزَّمَان وَكَثْرَة الْإِمْهَال، وَقد قَالَ الله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله} وَقَوله: {مَتى نصر الله} : استبطاء، أَو قَالُوا هَذَا من ضعف البشرية.

وَالْقَوْل الثَّانِي - وَهُوَ الصَّحِيح - وَهُوَ مَنْقُول أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَن معنى الْآيَة: وَظن من آمن بالرسل، أَن الرُّسُل قد كذبُوا بِالتَّخْفِيفِ، أَو ظن الْقَوْم الَّذين بعث إِلَيْهِم أَن الرُّسُل قد كذبُوا بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ مُجَاهِد: " وظنوا أَنهم قد كذبُوا " وَمَعْنَاهُ كَمَا ذكرنَا فِي القَوْل الثَّانِي: أَن ظن الْقَوْم أَن الرُّسُل قد كذبُوا.

وَقَوله: { [جَاءَهُم] نصرنَا} ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله: {فنجي من نشَاء} الْمَشِيئَة وَاقعَة على الْمُؤمنِينَ. وَقَوله: {وَلَا يرد بأسنا} أَي: عذابنا {عَن الْقَوْم الْمُجْرمين} أَي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015