قَوْله تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ} مَعْنَاهُ: اذكر إِذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ: {يَا أَبَت} قرىء بقراءتين: " يَا أَبَت " و " يَا أَبَت " بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح؛ أما بِالْكَسْرِ فَالْأَصْل: " يَا أبتي " ثمَّ حذف الْيَاء واجتزىء بالكسرة. وَأما بِالْفَتْح: فَالْأَصْل: " يَا أبتا " ثمَّ أسقط الْألف وَاكْتفى بِالنّصب. قَالَ الْأَعْشَى:
(فيا أبتا لَا تزل عندنَا ... فَإنَّا نَخَاف بِأَن نخترم)
وَقَوله: {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا} فِي الْقِصَّة: أَن يُوسُف كَانَ لَهُ اثْنَتَا عشرَة سنة حِين رأى هَذِه الرُّؤْيَا. وَقد قيل غير ذَلِك، وَالله أعلم. وروى (أَنه رأى هَذِه) الرُّؤْيَا لَيْلَة الْجُمُعَة لَيْلَة الْقدر. وَقَوله {أحد عشر كوكبا} يَعْنِي: أحد عشر نجما من نُجُوم السَّمَاء، وَكَانَ المُرَاد مِنْهَا إخْوَته، وَكَانُوا أحد عشر رجلا، يستضاء بهم كَمَا يستضاء بالكواكب. وَقَوله {وَالشَّمْس وَالْقَمَر} تَأْوِيل الشَّمْس: أَبوهُ، وَتَأْويل الْقَمَر: أمه. هَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَغَيره. وَقَالَ بَعضهم: كَانَت أمه فِي الْمَوْتَى، وَهَذِه خَالَته راحيل. وَقَالَ ابْن جريج: الْقَمَر: أَبوهُ، وَالشَّمْس: أمه؛ لِأَن الشَّمْس مُؤَنّثَة وَالْقَمَر مُذَكّر. وَقَوله: {رَأَيْتهمْ لي ساجدين} قَالَ بَعضهم: عِنْدِي ساجدين لله. وَالأَصَح: أَنهم سجدوا لَهُ تَحِيَّة وكرامة. فَإِن قَالَ قَائِل: (قد قَالَ) : {ساجدين} وَلم يقل " ساجدات " وَحقّ الْعَرَبيَّة فِي النُّجُوم أَن يُقَال: " ساجدات ".
الْجَواب: أَن الله تَعَالَى لما أخبر عَنْهُم بِفعل من يعقل وَهُوَ السُّجُود ألحقهم بِمن يعقل فِي إِعْرَاب الْكَلَام فَقَالَ: ساجدين، وَلم يقل: " ساجدات " بِهَذَا.