وَقَوله: {إِلَّا من رحم رَبك} أَي: لَكِن من رحم رَبك، وهم أهل الْحق لَا يَخْتَلِفُونَ. وَقَوله: {وَلذَلِك خلقهمْ} فِيهِ أَقْوَال:
أَحدهَا: مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: وللرحمة خلقهمْ. وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: وللاختلاف خلقهمْ. وَهُوَ أَيْضا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَة أُخْرَى: خلق أهل الْجنَّة للجنة، وَخلق أهل النَّار للنار، وَخلق أهل الشَّقَاء للشقاء، وَخلق أهل السَّعَادَة للسعادة.
وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام: إِن الَّذِي أختاره فِي معنى الْآيَة: أَنه خلق فريقا للرحمة وفريقا للعذاب. قَالَ: وَعَلِيهِ أهل السّنة.
وَذكر بَعضهم: أَن مَقْصُود الْآيَة هُوَ أَن أهل الْبَاطِل مُخْتَلفُونَ، وَأهل الْحق متفقون، وَخلق أهل الْبَاطِل للِاخْتِلَاف، وَخلق أهل الْحق للاتفاق.
قَالَ النّحاس: وَهَذَا أبين الْأَقْوَال وأسرحها.
وَاسْتدلَّ أَبُو عبيد على مَا زعم من الْمَعْنى بقوله تَعَالَى: {وتمت كلمة رَبك لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} قَالَ: وَمَعْنَاهُ: وَتمّ حكم رَبك لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ.
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ - حاكيا عَن الله مُحَاجَّة الْجنَّة وَالنَّار، فَقَالَ للجنة: " أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من شِئْت من عبَادي، وَقَالَ للنار: أَنْت عَذَابي أعذب بك من شِئْت، وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا ".