قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ لم يَكُونُوا معجزين فِي الأَرْض} مَعْنَاهُ: أُولَئِكَ لم يَكُونُوا فائتين، وَقيل: أُولَئِكَ لم يَكُونُوا هاربين من عذابنا؛ فَإِن من هرب عَن الشَّيْء وَقع الْعَجز عَنهُ. وَقَوله: {وَمَا كَانَ لَهُم من دون الله من أَوْلِيَاء} يَعْنِي: من ناصرين وحافظين عَن عذابنا. وَقَوله: {يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب} فَإِن قيل: مَا معنى تَضْعِيف الْعَذَاب وَقد قَالَ فِي مَوضِع آخر: {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} ؟
الْجَواب من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن مضاعفة الْعَذَاب بمضاعفة الجرم.
وَالْآخر: أَن الْآيَة فِي رُؤَسَاء أهل الشّرك، وتضعيف الْعَذَاب عَلَيْهِم بتضليل الإتباع ودعائهم إيَّاهُم إِلَى شركهم.
وَقَوله: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون} قَالَ ابْن عَبَّاس: حَال الله بَينهم وَبَين اإيمان. وَذكر الْفراء عَن بعض أهل الْمعَانِي: أَن معنى الْآيَة: يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع فَلَا يَسْتَمِعُون.
وَسَائِر النُّحَاة أَنْكَرُوا تَقْدِير " الْبَاء " هَاهُنَا. والاستطاعة: قُوَّة تنطاع بهَا الْجَوَارِح للْعَمَل.
وَفِي الْآيَة قَول ثَالِث: وَهُوَ أَنهم لما يسمعوا اسْتِمَاع (التفهم) وَالِانْتِفَاع بِهِ، وَلم يبصروا بصر الْحَقِيقَة؛ جعلهم كمن لَا يَسْتَطِيع السّمع وَالْبَصَر.