قَوْله تَعَالَى: {كَيفَ وَإِن يظهروا عَلَيْكُم لَا يرقبوا فِيكُم إِلَّا وَلَا ذمَّة} يَعْنِي: كَيفَ يكون لَهُم عهد وَإِن يظهروا عَلَيْكُم لَا يرقبوا فِيكُم إِلَّا وَلَا ذمَّة؟ اخْتلفت الْأَقْوَال فِي " إِلَّا ":
رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَن " إِلَّا " هُوَ الله تَعَالَى. وَفِي الشاذ قرئَ: " لَا يرقبوا فِيكُم إيلا وَلَا ذمَّة "، وإيل: هُوَ الله.
وَرُوِيَ عَن أبي بكر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ فِي كَلِمَات مُسَيْلمَة الْكذَّاب - لَعنه الله - حِين سمع أَنه يَقُول: يَا ضفدع نقي نقي، كم تنقين، لَا المَاء تكدرين وَلَا الشَّرَاب تمنعين. فَقَالَ أَبُو بكر: إِن هَذَا كَلَام لم يخرج من إل يَعْنِي: من الله.
وَالْقَوْل الثَّانِي قَول أبي عُبَيْدَة: الإل هُوَ الْعَهْد، والذمة: التذمم.
وَالثَّالِث: قَول الضَّحَّاك - وَهُوَ أولى الْأَقَاوِيل وأحسنها - قَالَ: إِن الإل هُوَ الْقَرَابَة، والذمة: الْعَهْد، قَالَ حسان بن ثَابت:
(لعمرك إِن إلك من قُرَيْش ... كإل السقب من رأل النعام)
قَوْله تَعَالَى: {يرضونكم بأفواههم وتأبى قُلُوبهم} يَعْنِي: يعدون الْوَفَاء بالْقَوْل، وتأبى قُلُوبهم إِلَّا الْغدر {وَأَكْثَرهم فَاسِقُونَ} فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا فِي الْمُشْركين وهم كلهم فَاسِقُونَ، فَكيف قَالَ: {وَأَكْثَرهم} ؟
قُلْنَا: الْفسق هَاهُنَا: نقض الْعَهْد، وَكَانَ فِي الْمُشْركين من وفى بعهده؛ فَلهَذَا قَالَ {وَأَكْثَرهم فَاسِقُونَ} .