تفسير السمعاني (صفحة 1158)

{مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون (6) }

أَي: وسقيتها ماءا بَارِدًا؛ فَكَذَلِك قَوْله - تَعَالَى -: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم} أَي: واغسلوا أَرْجُلكُم؛ إِلَّا أَنه خفض على الِاتِّبَاع والمجاورة كَمَا قَالَت الْعَرَب: " جُحر ضَب خرب "، وَنَحْو ذَلِك.

وَقَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ - وَهُوَ إِمَام اللُّغَة - الْعَرَب قد تسمي الْغسْل الْخَفِيف: مسحا، تَقول الْعَرَب: تمسح يَا هَذَا، يُرِيدُونَ بِهِ: اغْتسل، فعطفه على الْمسْح لَا يَنْفِي الْغسْل؛ فَيجوز أَن يكون المُرَاد بِهَذَا الْمسْح فِي الرَّأْس حَقِيقَة الْمسْح، وَفِي الرجل الْغسْل؛ وَلِأَن غسل الرجل على الْأَغْلَب لَا يَخْلُو عَن مسح؛ [وَلذَلِك] فساغ أَن يُسمى غسلهَا: مسحا، وَقَوله: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} يَعْنِي: مَعَ الْكَعْبَيْنِ، كَمَا بَينا فِي الْمرَافِق، والكعبان: هما العظمان الناتئان على جَانِبي الْقدَم.

{وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} أَي: فاغتسلوا {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} وَقد بَينا الْكَلَام فِيهِ. {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَقَوله: مِنْهُ. دَلِيل على أَن الصَّعِيد هُوَ التُّرَاب؛ لتحَقّق الْمسْح مِنْهُ {مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج} أَي: ضيق {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون} قَالَ مُحَمَّد ابْن كَعْب الْقرظِيّ: أَرَادَ بإتمام النِّعْمَة: تَكْفِير الْخَطَايَا بِالْوضُوءِ على مَا روينَا، وَهَذَا مثل قَوْله: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك} يَعْنِي: بغفران الذَّنب، وَفِي الْوضُوء تَكْفِير الْخَطَايَا الَّتِي ارتكبها فِي الدُّنْيَا، وَنور يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: " أمتِي غر محجلون من آثَار الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة؛ فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015