رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا يعني: أن يبادر بعقوبتنا. يقال: قد فرط منه أمر، أي: قد بدر منه. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا فرطكم على الحوض» . ويقال: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا، يعني: أن يضر بنا. أَوْ أَنْ يَطْغى، يعني: يقتلنا: قال: كان هذا القول من موسى وهارون حين رجع موسى إلى مصر، وأوحى الله تعالى إليهما فقالا عند ذلك: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى وقال بعضهم: قد قال الله عزّ وجلّ ذلك لموسى عند طور سيناء، فأجابه موسى عن نفسه وعن هارون، فأضاف القول إليهما جميعاً.

قالَ الله عزَّ وجلَّ: لا تَخافا، عقوبة فرعون عند أداء الرسالة. إِنَّنِي مَعَكُما، أي: معينكما. أَسْمَعُ ما نزل عليكما، وَأَرى ما يصنع بكما.

ثم قال عز وجل: فَأْتِياهُ، يعني: فاذهبا إلى فرعون، فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: في الآية دليل أنه يجوز رواية الأخبار بالمعنى، وإنما العبرة للمعنى دون اللفظ، لأن الله تعالى حكى معنى واحداً بألفاظ مختلفة، وقال في موضع آخرقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ

[الشعراء: 16] وقال هاهنا: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وقال في آية أخرى: قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ [الأعراف: 121- 122] ، وقال في موضع: آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.

ثم قال تعالى: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ، يعني: لا تستعبدهم. قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ، يعني: باليد والعصا. وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى، يعني: على مَنْ طلب الحق ورغب في الإسلام. قال الزجاج: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى معناه: أن من اتبع الهدى، فقد سلم من عذاب الله عز وجل وسخطه.

قال عز وجل: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ يعني: أَنَّ العذاب في الآخرة بالدوام عَلى مَنْ كَذَّبَ بالتوحيد وَتَوَلَّى عن التوحيد والإيمان ولم يذكر في الآية أنهما أتيا فرعون، لأن في الكلام دليلاً عليه حيث ذكر قول فرعون، ومعناه: أنهما أتيا فرعون وأديا إليه الرسالة وقالا: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ. لأن في الكلام دليلاً عليه، حيث ذكر قول فرعون:

قالَ فرعون: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى، ولم يقل من ربي تكبراً منه. قالَ موسى:

رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، يعني: شكله، ويقال: خلق لكل ذكر أنثى شبهه ثُمَّ هَدى، يعني: ألهمه الأكل والشرب والجماع، وقال القتبي: الإهداء أصله الإرشاد، كقوله عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي [القصص: 22] . ثم الإرشاد مرة يكون بالدعاء، ومرة بالبيان. وقد ذكرناه في سورة الأعراف، ومرة بالإلهام كقوله: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ أي: صورته ثُمَّ هَدى أي: ألهمه إتيان الإناث. ويقال: ألهمه طلب المرعى وتوقي المهالك. وقال الحسن:

أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ما يصلح له، ثم هداه. ثمّ أن موسى أخبره بالبعث والجزاء وأمر الآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015