قوله عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً يعني: أكثر أموالا وَرِءْياً يعني: منظراً حسناً، فلم يُغن عنهم ذلك من عذاب الله شيئا. قرأ نافع وابن عامر وريّاً بتشديد الياء بغير همز، يعني: النعمة، وقرأ الباقون ورئياً بالهمز بغير تشديد، يعني:
المنظر. قال أبو عبيد: وهكذا تقرأ مهموزة لأنه من رؤية العين، وإنما هي المنظر.
ثم قال عز وجل: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ يعني: قل يا محمد، من كان في الكفر والشرك فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا يعني: يزيد له مالاً وولداً. قوله: فَلْيَمْدُدْ هذا لفظ الأمر، ومعناه الخبر، وتأويله: أن الله عز وجل جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، ويمده فيها، كما قال وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 15] .
ثم قال تعالى: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ يعني: في الآخرة من العذاب والثواب إِمَّا الْعَذابَ في الدنيا وَإِمَّا السَّاعَةَ يعني: قيام الساعة فَسَيَعْلَمُونَ يعني: فسيعرفون يوم القيامة مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً يعني: صنيعاً في الدنيا، ومنزلاً في الآخرة وَأَضْعَفُ جُنْداً يعني:
أقل عدداً وقوة ومنعة، أهم أم المؤمنون.
قوله عز وجل: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً يعني: يزيد الله عز وجل الذين آمنوا بالمنسوخ هدى بالناسخ، ليعملوا بالناسخ دون المنسوخ، ويقال: جعل جزاءهم أن يزيدهم في يقينهم، ويزيدهم بصيرة وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وقد ذكرناه وَخَيْرٌ مَرَدًّا يعني: وأفضل مرجعاً في الآخرة.
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80)
قوله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا يعني: بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن وَقالَ لَأُوتَيَنَّ يعني: لأعطين مَالاً وَوَلَداً في الجنة. روى أسباط عن السدي: أن خباب بن الأرت كان صائغاً يعمل للعاص بن وائل حلياً، فجاء يسأله أجره، فقال له العاص: أنتم تزعمون أن لنا بعثا وجنة وناراً، فَإِذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، فإني سأوتى مَالاً وَوَلداً، وأعطيك منه، فنزل أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً في الجنة. قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو مَالاً وَوَلَداً بفتح الواو واللام في كل القرآن، غير أن أبا عمرو قرأ في سورة نوح بالضم، وهكذا روي عن مجاهد. وقرأ حمزة والكسائي بضم الواو وجزم اللام من هاهنا إلى آخر السورة، والتي في الزخرف، والتي في سورة نوح. وقال أبو عبيد: إنما قرأ هكذا لأنهما جعلا الوُلْد غير الوَلَد، فيقال: الوُلْد جماعة الأهل، والوَلَد واحد، وقال الزجاج: الوُلْد مثل أسد وأسد، وجاز أن يكون