فالتمسه، فلم يقدر عليه. فقال: من كان يصحبه؟ فسموا الفتية، فالتمسوهم فخرجوا من المدينة. فمروا بصاحب لهم في زرع له، وكان على مثل أمرهم، فذكروا له أنهم التمسوا.

فانطلق معهم ومعه الكلب، حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه وقالوا: نبيت هاهنا الليلة، ثم نصبح إن شاء الله، فترون رأيكم. فضرب على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم، حتى وجدوا آثارهم وقد دخلوا الكهف، فلما أراد رجل منهم أن يدخل الكهف، أرعب فلم يطق أحد أن يدخل عليهم، فقال له قائل: ألست لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ فسد عليهم باب الكهف ودعهم حتى يموتوا عطشاً وجوعاً، ففعل ذلك.

ثم إن راعياً احتاج أن يبني حظيرة لغنمه، فهدم ذلك السد وبنى عليه لغنمه، فصار باب الكهف مفتوحاً. وكلما غزا ملك تلك المدينة فظهر عليها، أظهر علامته. إن كان مسلماً أظهر علامة المسلمين، وإن كان كافراً أظهر علامة المشركين. ثم مات دقيانوس، وملك ملك آخر مسلم، فأظهر علامة المؤمنين بالمدينة، وكان يقال له: ستفاد الملك.

ثم إن أصحاب الملك استيقظوا بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فنظر واحد منهم إلى الشمس وقد دنت إلى الغروب ويقال: عند زوال الشمس، فقال: كَمْ لَبِثْتُمْ؟ قالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. فقال كبيرهم: لا تختلفوا، فإنه لم يختلف قوم إلا هلكوا. ثم قال:

الآخرون: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً [الكهف: 19] ، أي أحلّ وأطهر، لأنهم كانوا يذبحون الخنازير. فدفعوا الدراهم إلى رجل يقال له تمليخا.

فخرج تملينا، فلما انتهى إلى باب الكهف، رأى حجارة مكسرة على بابه فقال: إن هذا شيء ما رأيناه بالأمس. فلما خرج أنكر الطريق، فدنا إلى باب المدينة فلم يعرفها. فلما دخل المدينة لم يعرف أحداً من الناس، فأشكل عليه فقال: لعل هذه غير تلك المدينة. فسأل إنساناً، فقال: أي مدينة هذه؟ فقال: أقسوس. فقال: لقد أصابني شر أو تغير عقلي، فهذه مدينتنا ولا أعرفها، ولا أعرف أحداً من أهلها. فأخرج الدراهم، وجاء إلى الخباز ودفعها إليه. فأخذ الخباز الدراهم فأنكرها، وقال: من أين لك هذه الدراهم؟ لقد وجدت كنزاً لتخبرني وإلا رفعتك إلى الملك.

وكان كل ملك يحدث بعد آخر، تضرب دراهم على سكته وختمه، فمن وجد معه دراهم غير تلك الدراهم، علم أنه كنز. فلما وجدوا معه تلك الدراهم، قالوا: هذا كنز. فقال: هذه الدراهم ما أخرجت من المدينة إلا أمس. فظن الخباز أنه يتجانن عليه ليرسله، فقال له: لقد علمت أنك تتجانن علي، لا أرسلك حتى تعطيني من هذا الكنز، وإلا رفعتك إلى الملك.

فاجتمع الناس عليه وذهبوا به إلى الملك، فجعل تمليخا يبكي خوفاً من الملك، وأن يرفع إلى ملكهم الجبار الذي فرّ منه. فلما أدخل على غيره سكن، فقال له الملك: من أين لك هذه الدراهم؟ فقال: خرجت بها عشية أمس أنا وأصحاب لي فراراً من دقيانوس الملك. فقال: إنك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015