الطاهر فيمسح، فنهاه الله تعالى عن ذلك ونزل: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وروى أبو معشر، عن أصحابه منهم القرظي قال: لما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة النجم فبلغ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم: 20] ، جرى على لسانه تلك الغرانيق العلى، وأنّ شفاعتهن ترتجى، فلما بلغ السجدة، سجد فسجد معه المشركون، ثم جاء جبريل فقال: ما جئتك بهذا، فنزل: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ إلى قوله: وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا، فلم يزل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مغموماً حتى نزل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلى قوله «1» : أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الآية.
وروى سعيد بن جبير، عن قتادة قال: ذكر لنا أن قريشاً خلوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، وكان في قولهم أن قالوا: يا محمد إنك تأتي بشيء لم يأت به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، فما زالوا يكلمونه حتى كاد أن يقاربهم. ولا إن الله تعالى منعه وعصمه عن ذلك «2» ، فقال تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ [الإسراء:
74] الآية وذلك قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ في القرآن. لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ، يعني: لتقول وتفعل غير الذي أمرتك في القرآن. وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا، أي صفياً وصديقاً. ويقال: إن المشركين قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: اطرد عن مجلسك سقاط الناس ومواليهم حتى نجلس معك، فهمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يفعل ذلك، فنزل: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من تقريب المسلمين. وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا لو فعلت ما طلبوا منك.
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76)
ثم قال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ، يقول: عصمناك، ويقال: حفظناك. لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ، أي: هممت أن تميل إليهم. شَيْئاً قَلِيلًا، وتعطي أمنيتهم شيئاً قليلاً. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ، أي عذاب الدنيا، وَضِعْفَ الْمَماتِ أي: عذاب الآخرة، وهذا قول ابن عباس. وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: ضِعْفَ الْحَياةِ عذابها، أي عذاب الدنيا، وَضِعْفَ الْمَماتِ أي عذاب الآخرة، وهذا مثل الأول. ويقال: ضِعْفَ الْمَماتِ أي عذاب القبر، ويقال: هذا وعيد للنبي صلّى الله عليه وسلّم، أي: لو فعلت ذلك، يضاعف لك العذاب على عذاب غيرك، كما قال تعالى: