وَمَنْ ضَلَّ أي: ومن تغافل حتى ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي: إثمه عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي: لا تؤخذ نفس بذنب نفس أُخرى.
وقال: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا حجة عليهم مع علمه أنهم لا يطيعون، وينذرهم على ما هم عليه من المعصية، فإن أجابوا وإلاّ عذبوا.
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)
قوله تعالى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
أي: أهل قرية أَمَرْنا مُتْرَفِيها
أي: أكثرنا جبابرتها، يقال: أَمَرَ إِذَا أكثر وآمَرَ إذا أكثر وهما لغتان. وروي عن زينب بنت جحش أنها قالت:
دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق إبهامه بالتي تليها» . قالت: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟
قال: «نعم إذا كثر الخبث» . ويقال: أمَرَ وآمر مثل فعل وأفعل بمعنى: أكثر. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم:
«خير المال مهرة مأمورة» أي: خيل كثير النتاج. قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين وابن كثير في إحدى الروايتين ونافع في إحدى الروايتين: «أَمَّرْنَا» بالتشديد بغير مد، وفي إحدى الروايتين عن ابن كثير ونافع «آمَرْنَا» بالمد والتخفيف. فمن قرأ بالمد يعني: أكثرنا جبابرتها، وقرأ الباقون بالتخفيف بغير مد. فمن قرأ بالتشديد فمعناه: سلطنا جبابرتها. ومن قرأ بالتخفيف له معنيان:
أحدهما: أكثرنا جبابرتها وأشرافها ورؤساءها فَفَسَقُوا فِيها
أي: فعصوا فيها ومعنى آخر:
أمرناهم بالطاعة وخذلناهم حتى تركوا الأمر وعصوا الله تعالى. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أي: وجب عليها السخط بالعذاب فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
أي: أهلكناها بالعذاب إهلاكا.
قوله عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعني: أن الله تعالى عالم بذنوبهم قادر على أخذهم ومجازاتهم، فيه تهديد لهذه الأمة لكي يطيعوا الله ولا يعصوه فيصيبهم مثل ما أصابهم.
قوله عز وجل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ أي: من كان يريد بعمله الذي افترض الله عليه ثواب الدنيا عَجَّلْنا لَهُ أي: أعطينا له فِيها مَا نَشاءُ من عرض الدنيا لِمَنْ نُرِيدُ أن نهلكه ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ أي: أوجبنا له جهنم يَصْلاها أي: يدخلها مَذْمُوماً ملوماً في عمله مَدْحُوراً أي: مطروداً مقصيَّاً من كل خير، وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ من المؤمنين بعمله الذي افترض الله عليه وَسَعى لَها سَعْيَها يعني: عمل للآخرة عملها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ