عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» فاستجاب الله دعاءه، فوقع القحط والجدوبة حتى اضطروا إلى أكل الميتة والكلاب. قال القتبي: أصل الذوق بالفم، ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ أي: ابتلاهم الله بالجوع والخوف، وظهر عليهم من سوء آثارهم، وتغير الحال عليهم.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ أي: محمد صلّى الله عليه وسلّم فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ أي: الجوع وَهُمْ ظالِمُونَ أي: كافرون. ثم إن أهل مكة بعثوا أبا سفيان بن حرب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما هذا البلاء، هبك عاديت الرجال، فما بال الصبيان والنساء؟ فأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يحمل إليهم الطعام، فحمل إليهم الطعام، ولم يقطع عنهم وهم مشركون.
ثم قال: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً أي: من الحرث، والأنعام، حَلالًا طَيِّباً وهم خزاعة وثقيف وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ يعني: إن كنتم تريدون بذلك وجه الله ورضاء الله وعبادته، فإن رضاه أن تستحلوا ما أحلّ الله، وتحرّموا ما حرّم الله.
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117)
ثم بيّن المحرمات فقال تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ أي: ذبح بغير اسم الله فَمَنِ اضْطُرَّ أي: أجهد إلى شيء مما حرّم الله عليه غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ في أكله أي: لا يأكل فوق حاجته. ويقال: غير مفارق الجماعة، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ فيما أكل رَحِيمٌ حين رخص له في أكل الميتة عند الاضطرار.
ثم قال: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ أي: لا تقولوا يا أهل مكة فيما أحللت لكم هذا حَلالٌ على الرجال، وَهذا حَرامٌ على النساء. ويقال: في الآية تنبيه للقضاة والمفتين كي لا يقولوا قولاً بغير حجة وبيان.
ثم قال: لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي: بتحريم البحيرة والسائبة إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ أي: لا يفوزون، ولا ينجون من العذاب مَتاعٌ قَلِيلٌ أي: عيشهم في الدنيا قليل وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.
[سورة النحل (16) : الآيات 118 الى 119]
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا مَا قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)