وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
ثم قال تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: ما غاب عن العباد وَما أَمْرُ السَّاعَةِ أي: قيام الساعة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أي: كرجع البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ أي: بل هو أقرب، أي أسرع. قال الزجاج: أخبر الله تعالى أن البعث والإحياء في قدرة الله تعالى، ومشيئته كلمح البصر. ولم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، ولكنه وصف سرعة القدرة على الإتيان بها.
ويقال: أَوْ هُوَ أَقْرَبُ الألف زائدة، ومعناه: وهو أَقْرَبُ. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني: من البعث وغيره.
قوله عز وجل: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ قرأ حمزة والكسائي أُمَّهاتِكُمْ بكسر الألف، وقرأ الباقون: بالضم، ومعناهما واحد. وقال الزجاج: الأصل في الأمهات أمّات، ولكن الهاء زيدت مؤكدة، كما زادوها في قولهم: أهرقت الماء، وأصله أرقت الماء.
لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً أي: لا تعقلون شيئاً. ويقال: لا تعلمون الأشياء كلها. وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: لكي تشكروا النعمة.
[سورة النحل (16) : الآيات 79 الى 80]
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80)
ثم بيّن لهم العبرة ليعتبروا بها، ويعرفوا بها وحدانيته فقال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ يقول: مذللات فِي جَوِّ السَّماءِ أي: في الهواء مَا يُمْسِكُهُنَّ عند قبض الأَجنحة وعند بسطها إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي: لعلامات لوحدانية الله تعالى، لمن علم أن معبوده لم يعنه في ذلك. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي: لمن آمن به. قرأ ابن عامر وحمزة أَلَمْ تَرَوْاْ بالتاء على المخاطبة. وقرأ الباقون بالياء.
ثم قال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً أي: خلق لكم البيوت قراراً ومأوًى لكم، ويقال: معناه سخر لكم الأرض، لتبنوا فيها البيوت. ويقال: معناه وفقكم لبناء البيوت لسكناكم وقراركم، فذكر النعم والمنن والدلائل لوحدانيته.
وقال عز وجل: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ أي: من الشعر والصوف والوبر بُيُوتاً أي: الفساطيط والخيام تَسْتَخِفُّونَها أي: تستخفون حملها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ أي:
يوم انتقالكم وسفركم، ويوم نزولكم وَمِنْ أَصْوافِها أي: من أصواف الغنم وَأَوْبارِها أي: