لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79)
ثمّ قال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ أي: بحياتك يا محمد، إنهم لفي جهالتهم وضلالتهم يَعْمَهُونَ أي: يترددون، ويتجبرون. يعني: إن أهل مكة يسمعون هذه العجائب، ولا تنفعهم، وهم على جهلهم مصرون. قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد. قال: حدثنا ابن معاذ. قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبان، عن سعيد بن زيد، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس أنه قال: «مَّا خَلَقَ الله نفساً أكرم على الله من محمد صلّى الله عليه وسلّم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره. فقال لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ.
ثم رجع إلى قصة قوم لوط فقال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ أي: أخذتهم صيحة جبريل عند طلوع الشمس، وذلك أن جبريل قلع الأرض وقت الصبح، فرفعها مع الملائكة إلى قريب من السماء، ثم قلبها وأهواها إلى الأرض، وصاح بهم وقت طلوع الشمس فذلك قوله: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ وقد ذكرناها إِنَّ فِي ذلِكَ أي: في هلاك قوم لوط لَآياتٍ أي: علامات لِلْمُتَوَسِّمِينَ يقول: للمتفكرين.
وقال قتادة: للمعتبرين. وقال الضحاك: للناظرين. وقال مجاهد: للمفترسين. قال الفقيه:
حدثنا الخليل بن أحمد. قال: حدثنا أبو يعقوب. قال: حدّثنا عمار بن الربيع الباهلي، عن أبي صالح بن محمد، عن محمد بن مروان، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتّقُوا فَرَاسَةَ المُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله» «1» . ثم قرأ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وقال الزجاج: حقيقته في اللغة، النظار المثبتون في نظرهم، حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء. يقال: توسمت في فلان كذا وكذا أي: عرفت ذلك من هيئته.
ثم قال: وَإِنَّها أي: قريات لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ أي: بطريق واضح بيّن يرونها حين مروا بها إِنَّ فِي ذلِكَ أي في هلاك قوم لوط لَآيَةً أي لعلامة وعبرة لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كانَ يقول: وقد كان أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي: أصحاب الغيضة، والغيضة والأيكة: الشجرة، وهم قوم شعيب. قال قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا أهل غيضة. وقال بعضهم: بعث شعيب إلى قومين:
أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة، وقال بعضهم: آل مدين والأيكة واحد، لأن الأيكة كانت عند مدين، وهذا أصح لَظالِمِينَ أي: لكافرين.