وهكذا قال الكلبي. قرأ حمزة: وَأَرْسَلْنَا الريح بلفظ الوحدان، وقرأ الباقون: بلفظ الجماعة.

ثم قال: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ يعني: بماء المطر فأرويناكم به وحبستم الماء في الغدران والحياض، لتسقوا الضياع والمواشي وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أي: بمالكين وحافظين. ويقال: ليس مفاتيحه بأيديكم.

ثم قال عز وجل: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ أي: نحيي للبعث، ونميت في الدنيا.

ويقال نُحْيِي الأرض بالمطر أيام الربيع، ونميتها أيام الخريف وَنَحْنُ الْوارِثُونَ أي:

المالكون. ويقال: معناه يهلك الخلق، ويبقي الرب تبارك وتعالى.

قوله عز وجل: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ أي: الأموات وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ يعني: الأحياء. ويقال: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ في الصف الأول، وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ في الصف الآخر. وروى أبو الجوزاء، عن ابن عباس أنه قال:

«كانت امرأة حسناء تصلي خلف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لكي يراها، ويتأخر بعضهم. فإذا ركع، نظر من تحت إبطيه، فنزلَ: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ويقال: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حرض الناس على الصف الأول، وكان قوم بيوتهم قاصية من المسجد، فقالوا: لنبيعن دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد حتى ندرك الصف الأول، فصارت الديار البعيدة خالية، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «مَنْ أَتَى المَسْجِدَ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ آثارُهُ وَيُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةٍ، وتُرْفَعُ لَهُ كَذَا وَكَذَا دَرَجَةٍ» فجعل الناس يشترون الدور البعيدة من المسجد لكي يكتب لهم آثارهم، فنزل: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ، وإنما يؤجرون بالنية، فاطمأنوا وسكنوا. وقال مجاهد: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ أي: ما مضى وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ما بقي من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقال قتادة:

الْمُسْتَقْدِمِينَ آدم ومن مات قبل نزول هذه الآية. والْمُسْتَأْخِرِينَ من لم يخلق بعد، كلهم قد علمهم. وقال الحسن: الْمُسْتَقْدِمِينَ في الخير، والْمُسْتَأْخِرِينَ، يقول: المبطئين.

قوله: وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ يوم القيامة إِنَّهُ حَكِيمٌ حكم بحشر الأولين والآخرين عَلِيمٌ بهم.

[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 27]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (27)

قوله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ أي: آدم مِنْ صَلْصالٍ أي: من طين يتصلصل إذا مشيت عليه يتقلقل، وإذا تركته يتفلّق، مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أي: من طين أسود منتن. وقال الأخفش: أي من طين مصبوب. ويقال: مَسْنُونٍ أي: متغير الرائحة كقوله لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة: 259] . ويقال: الذي أتت عليه السنون. وقال القتبي: الصلصال الطين اليابس الذي لم تصبه نار، إذا ضربته صوّت، وإذا مسته النار فهو فخار. والمسنون: المتغير الرائحة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015