قوله تعالى: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ يعني: رجعوا إلى يوسف، ودخلوا عليه قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ يعني: أصابنا وأهلنا الجوع وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ قال الحسن يعني: قليلة. وقال: المزجاة النفاية. وكان لا يؤخذ في الطعام إلا جيدا في ذلك الوقت، لأن الطعام كان عزيزاً، فلا يؤخذ فيها إلا الجيد. وعن عبد الله بن الحارث في قوله: وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: متاع الأعراب الصوف والسمن واللبن، ونحو ذلك. وعن ابن عباس قال:
«يعني جئنا بدراهم رديئة» . وقال سعيد بن جبير: بدراهم زيوف فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ يعني: أتمم لنا الكيل وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا يعني: وتصدق علينا ما بين الثمنين. يعني: ما بين الجيد والرديء إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ يعني: يثيبهم في الآخرة بما صنعوا. وقال ابن عباس: «لو علموا أنه مسلم لقالوا: إن الله يجزيك بالصدقة» . يعني: إنه كان يلبس عليهم فلا يعرفون حاله ومذهبه. فأخرج يوسف الكتاب الذي كان كتبه يهوذا حين باعوا يوسف، ودفعه إليهم، فعرف يهوذا خطه، وقالوا: نحن بعنا هذا الغلام إذ كنا نرعى الغنم. فقال لهم: ظلمتم، وبعتم الحر.
فدعا يوسف بالسيافين وأمرهم بأن يقتلوا إخوته جميعاً، فاستغاثوا كلهم، وصرخوا، وقالوا: إن لم ترحمنا فارحم الشيخ الضعيف، فإنه قد جزع على ولد واحد، فكيف إن هلك أولاده كلهم.
قالَ لهم يوسف هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ يعني: مذنبون ووصف لهم ما فعلوا به.
قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قرأ ابن كثير إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ بهمزة واحدة، وكسر الألف، يعني: حققوا أنه يوسف. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر: أإنّك بهمزتين على معنى الاستفهام. يعني: إنك يوسف أم لا؟ وقرأ نافع وأبو عمرو، آينك بهمزة واحدة مع المد. ومعناه: مثل الأول على معنى الاستفهام قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا يعني: أنعم علينا بالصبر إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الله تعالى وَيَصْبِرْ على البلاء فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ أي: ثواب الصابرين.
قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا يعني: إخوة يوسف اعتذروا إليه فقالوا: لقد فضلك الله علينا، واختارك وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ يقول: وقد كنا لعاصين لله تعالى فيما صنعنا بك