يعني: ثواب الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا لِلَّذِينَ آمَنُوا أي: صدقوا بوحدانية الله تعالى وَكانُوا يَتَّقُونَ الشرك.
وروي في الخبر: أن زوج زليخا مات، وبقيت امرأته زليخا. فجلست يوماً على الطريق، فمر عليها يوسف في حشمه، فقالت زليخا: الحمد لله الذي جعل العبد ملكاً بطاعته، وجعل الملك مملوكا بمعصيته. وتزوجها يوسف فوجدها عذراء، وأخبرت أن زوجها كان عنيناً، لم يصل إليها. ثم وقع القحط بالناس حتى أكلوا جميع ما في أيديهم، واحتاجوا إلى ما عند يوسف. وكان يوسف قد جمع في وقت الخصب مقدار ما يكفي السنين المجدبة للأكل والبيع، فجعل الناس يعطونه أموالهم: العروض، والرقيق، والعقار، وغير ذلك، ويأخذون منه الطعام.
ووقع القحط بأرض كنعان، حتى أصاب آل يعقوب الحاجة إلى الطعام، فقال يعقوب لبنيه: إنهم يزعمون أن بمصر ملكاً يبيع الطعام، فخرج بنو يعقوب وهم عشرة نحو مصر حتى أتوا يوسف فدخلوا عليه، وعليه زي الملوك فلم يعرفوه، فعرفهم يوسف، وكلموه بالعبرانية، فأرسل يوسف إلى الترجمان، وهو يعلم لسانهم. ولكنه أراد أن يشتبه عليهم، فذلك قوله تعالى: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ يعني: عرف يوسف أنهم إخوته وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ يعني: لم يعرفوا أنه يوسف، لأنهم كانوا فارقوه في حال الصغر، وكان يوسف عليه زي الملوك، بخلاف ما كانوا كانوا رأوه في حال الصغر.
روى أسباط عن السدي وغيره، قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمره الذي يلي البيع والتجارة. فبعث يعقوب بنيه إلى مصر، فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ عرفهم. فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما أمركم؟ فإني أنكر شأنكم. قالوا: نحن قوم من أرض الشام. قال:
فما جاء بكم؟ قالوا: جئنا نمتار طعاماً. قال: كأنكم عيون كم أنتم؟ قالوا: عشرة. قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف رجل، فأخبروني خبركم. قالوا: إنا إخوة بنو رجل صديق، وإنا كنا اثني عشر، فكان أبونا يحب أخاً لنا، وهو هلك في الغنم، ووجدنا قميصه ملطخاً بالدم، فأتينا به أبانا، فكان أحبنا إلى أبينا منا. قال: فإلى من سكن منكم أبوكم بعده؟
قالوا: إلى أخ له أصغر منه. قال: فكيف تخبروني أنه صديق، وهو يختار الصغير منكم دون الكبير؟ وكيف تخبروني أنه هلك، وبقي قميصه؟ فلو كان اللصوص قتلوه لأخذوا قميصه، ولو كان الذئب أكله لمزق قميصه. فإذا كلامكم متناقض، احبسوهم. ثم قال: إِن كُنتُمْ صادقين في مقالتكم، فخلفوا عندي بعضكم، واتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالوا: اختر أينا شئت، فارتهن شمعون، ثم أمر يوسف بوفاء كيلهم، فذلك قوله تعالى: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ يعني: كال لهم كيلهم، وأعطى كل واحد منهم حمل بعير، ثم قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ يعني: أفضل من يضيف ويكرم الذي نزل به فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ يعني: بأخيكم فَلا