النون، وقرأ الباقون بالنصب والتشديد. فمن قرأ بالجزم يكون، معناه: وما كل إلا ليوفينهم، كقوله: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ [يس: 32] يعني: ما كلٌ جميع. ومن قرأ بالتشديد، يكون إنَّ لتأكيد الكلام. وقرأ حمزة وابن عامر وعاصم في رواية حفص: لَّمّاً بتشديد الميم، وقرأ الباقون بالتخفيف، فمن قرأ بالتخفيف، يكون لمّا لصلة الكلام، ومعناه: وإنَّ كلاً ليوفينهم، فتكون ما صلة كقولهم: عَمَّا قَلِيلٍ، يعني: عن قليل. ومن قرأ بالتشديد: يكون بمعنى إلاَّ، يعني: وإنَّ كُلاً إلا ليوفينهم، كقوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ [الطارق: 4] فمن قرأ بالتشديد كتلك الآية، يكون معناه: إلا عليها حافظ. ومعنى الآية: إن كلا الفريقين لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ ثواب أَعْمالَهُمْ بالخير خيراً، وبالشر شراً. إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ من الخير والشر.
قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ يعني: استقم على التوحيد والطاعة كما أمرت وَمَنْ تابَ مَعَكَ أيضاً يستقيموا على التوحيد وَلا تَطْغَوْا أي: لا تعصوا الله، في التوحيد وطاعته.
إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الخير والشرّ بَصِيرٌ. قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، قال: حدثنا أبو حفص، عن سعيد، عن قتادة في قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي: امضِ على ما أمرت قال: إن الله تعالى أمر بالاستقامة على التوحيد، وأن لا يطغى في نعمته. وقال القتبي: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ يعني:
امضِ على ما أمرت به، إن الله أمر بأن يمضى ما أمر به.
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
قوله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ قال قتادة: ولا ترجعوا إلى الشرك فتمسكم النار، يعني: تصيبكم النار، وقال أبو العالية: ولا ترضوا بأعمال أهل البدع.
والركون: هو الرضا. ويقال: ولا تميلوا إلى دين الذين كفروا. ويقال: ولا ترضوا قول الذين ظلموا. وروى أبو هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: «المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلِ» «1» . وعن عبد الله بن مسعود، أنه قال: «اعتبروا الناس بأخدانهم» .
ثم قال تعالى: وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعني: حين تمسكم النار، لم يكن لكم من عذاب الله مِنْ أَوْلِياءَ يعني: من أقرباء ينفعونكم، ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ يعني: لا تمنعون من العذاب.