يعني: الظاهر ينظر إليه الناظر، والحصيد: يعني، خرب وهلك أصحابه. ويقال: القائم على بنيانه، والحصيد ما خرب. وقال قتادة: مِنْها قائِمٌ يعني: خاوية على عروشها وَحَصِيدٌ، يعني: مستأصلة. وقال الضحاك: مِنْها قائِمٌ يعني: مدينة عاد هلكوا، وبقيت مساكنهم، وَحَصِيدٌ يعني: مدائن قوم لوط، حصدت: أي قلعت من الأرض السفلى.
ثم قال تعالى: وَما ظَلَمْناهُمْ يعني: لم نعذبهم بغير ذنب، وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني: أضروا بأنفسهم حيث أكلوا رزق الله، وعبدوا غيره، وكذبوا رسله، فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ يعني: ما نفعتهم عبادة آلهتهم، الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إنما سماهم آلهة على وجه المجاز، يعني: آلهتهم بزعمهم، ولم يكونوا آلِهَة في الحقيقة. ومعناه: أصنامهم لا تقدر أن تمنعهم من عذاب الله من شيء، لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني: حين جاء عذاب ربك، وقال القتبي: إذا رأيت لِلَمَّا جواباً فهو بمعنى حين، كقوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ [الزخرف: 55] يعني: حين أغضبونا، وكقوله: لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ يعني: حين جاء أمر ربك، يعني: عذاب ربك، وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ يعني: غير تخسير، كقوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: 1] أي خسرت.
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107)
قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ يعني: هكذا عقوبة ربك، إِذا أَخَذَ الْقُرى يعني: إِذا عاقب القرى، وَهِيَ ظالِمَةٌ يعني: أهلها كفار جاحدون بوحدانية الله تعالى. قرأ عاصم الجحدري: إِذا أَخَذَ، بألف واحدة، لأن إذ تستعمل للماضي، وإذا تستعمل للمستقبل، وهذه حكاية عن الماضي، يعني: حين أخذ ربك القرى. وهي قراءة شاذة، وقراءة العامة: إِذا أَخَذَ بألفين، ومعناه: هكذا أخذ ربك، متى أخذ القرى.
ثم قال: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ يعني: عقوبته مؤلمة شديدة. وروى أبو موسى الأشعري، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: «إن الله تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» «1» .