وهي خمس مدائن، وهي على أربعة فراسخ من سدوما، ولم يكونوا على مثل عملهم. فقال له جبريل إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ يعني: وقت هلاكهم وقت الصبح. فقال لوط: يا جبريل، الآن عجل هلاكهم. فقال له جبريل: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فلما كان وقت الصبح، أدخل جبريل جناحه تحت أرض المدائن الأربعة، فاقتلعها من الماء الأسود، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديك. ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فأقبلت تهوي من السماء إلى الارض فذلك قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً.
قال وهب بن منبه: لما رفعت إلى السماء، أمطر الله عليهم حجارة الكبريت والنار، ثم قلبت. وقال مقاتل: أمطر على أهلها من كان خارجاً من المدائن الأربعة، حجارة مِنْ سِجِّيلٍ يعني: من طين مطبوخ، كما يطبخ الآجر، مَنْضُودٍ يعني: متتابعا بعضه على إثر بعض. وقال مجاهد: سِجِّيلٍ بالفارسية: سنج وجك، كقوله: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات: 33] وروي عن ابن عباس، في بعض الروايات، قال: «سنك وكل» . وقال أبو عبيدة: السجيل: الشديد، مَنْضُودٍ أي ملتزق بالحجارة. مُسَوَّمَةً قال الفراء: مخططة بالحمرة والسواد. وقال أبو عبيدة: مُسَوَّمَةً، أي: معلمة. ويقال: مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يصيبه. ويقال: مختمة. وقال وكيع: رفع إلي حجر من تلك الحجارة المختمة بطرسوس.
ثم قال: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يعني: من قوم لوط عليه السلام ويقال: هذا تهديد لأهل مكة، وغيرهم من المشركين. فقال: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ لكيلا يعملوا مثل عملهم. ويقال: ما هن من الظالمين ببعيد. قريات لوط ليست ببعيدة من أهل مكة، فأمرهم بأن يعتبروا بها. وقال الزجاج: سِجِّيلٍ، يعني: ما كتب لهم أن يعذبوا به. ويقال:
سِجِّيلٍ من سجلته، يعني: أرسلته، ومعناه: حجارة مرسلة عليهم، ويقال: كثيرة شديدة.
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
قوله تعالى: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ يعني: وأرسلنا إلى مدين أخاهم شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني: وحدوا الله وأطيعوه، مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني: ليس لكم رب سواه، وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ في البيع والشِّراء، إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ يعني: بسعة في المال والنعمة، وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ يعني: إن لم ترجعوا عن نقصان المكيال