وهي العُمْرَى. وقال مجاهد: وَاسْتَعْمَرَكُمْ يعني: أطال عمركم فيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يعني: توبوا من شرككم، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ يعني: قريباً ممن دعاه، مجيباً بالإجابة لمن دعاه من أهل طاعته.
قوله تعالى: قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا يعني: كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا قبل أن تدعونا إلى دين غير دين آبائنا، أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ يعني: يريبنا أمرك ودعاؤك إيانا إلى هذا الدين. ومعناه: إنا مريبون في أمرك.
قالَ لهم صالح: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، يقول: أخبروني إن كنت على بيان وحجة ودين أتاني من ربي، وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً يقول: أكرمني الله تعالى بالإسلام والنبوة، أيجوز لي أن أترك أمره، ولا أدعوكم إلى الله، وإلى دينه؟ فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ يقول: فمن يمنعني من عذاب الله إن رجعت إلى دينكم، وتركت دين الله تعالى؟
فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ يقول ما تزيدونني في مقالتكم إلا بصيرة في خسارتكم. ويقال:
معناه، فما تزيدونني غير تكذيب، لأن التكذيب سبب لخسارتهم. ويقال: معناه، فما تزيدونني إن تركت ما أوجب الله عليَّ من الدعوة غير تخسير لأن العذاب إذا نزل بي لا تقدرون على منعه عني.
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)
ثم قال تعالى: وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إنَّ صَالِحاً، لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ إلى الإسلامِ كَذَّبُوهُ، فَضَاقَ صَدْرُهُ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أنْ يَأذَنَ لَهُ بِالخُرُوج مِنْ عِنْدِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ وَانْتَهَى إلى سَاحِلِ البَحْرِ، فَإذا رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى المَاءِ، فقالَ لهُ صَالحٌ:
وَيْحَكَ مَنْ أنْتَ؟ فقالَ: أنا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. قالَ: كُنْتُ في سَفِينَةٍ كَانَ قَوْمُهَا كَفَرَةً غَيْرِي، فَأهْلَكَهُمُ الله تعالى ونجاني منهم، فَخَرَجْتُ إلى جَزِيرَةٍ أتَعَبَّدُ هُناكَ، فَأَخْرُجُ أحْيَاناً وَأطْلُبُ شَيْئاً مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أرْجِعُ إلى مَكَانِي» .
فَمَضَى صَالِحٌ، وَانْتَهَى إلى تَلَ عَظِيم، فَرَأَى رجلا يتعبّد هناك، فَانْتَهَى إلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، فقالَ لَهُ صَالِحٌ مَنْ أنْتَ؟ قال: كَانَتْ هاهُنَا قَرْيَةٌ، كانَ أهْلُهَا كُفّاراً غَيْرِي،