وقرأ أبو عمرو: فَلا تَسْئَلْنِي بإثبات الياء بغير تشديد، وهو الأصل في اللغة. وقرأ ابن كثير: فَلا تَسْئَلْنِ بنصب النون والتشديد بغير ياء، ويكون معناه: التأكيد في النهي. وقرأ ابن عامر، ونافع في رواية قالون: فَلا تَسْئَلْنِ بالكسر بغير ياء مع التشديد. وقرأ نافع في رواية ورش: فَلا تَسْئَلْنِي بالياء مع التشديد.

ثم قال: إِنِّي أَعِظُكَ أي أنهاك أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني: ممّن يترك أمري.

ويقال: من المكذبين بقدرة الله تعالى وقضائه قالَ نوح عليه السلام: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ، يعني: اعتصم وامتنع بك أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ يعني: احفظني بعد اليوم، لكيلا أسألك ما ليس به علم وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي يعني: إن لم تغفر لي، ولم ترحمني، أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي: أكن من المغبونين.

[سورة هود (11) : آية 48]

قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48)

قوله تعالى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا يعني: انزل من السّفينة مسلّماً من عذابنا وغرقنا. ويقال: بسلامي عليك، كما قال: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات: 79] ، وَبَرَكاتٍ يعني: وسعادات عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يعني: الذين كانوا معه في السفينة، وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ يعني: من كان من أهل الشّقاء سنمتِّعهم في الدنيا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ يعني: يصيبهم مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة، وقَالَ مقاتل: اهبط من السفينة بسلام منا، فسلمه الله ومن معه من الغرق وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ. يعني بالبركة: إنهم توالدوا وكثروا وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ، وهم قوم هود، وشعيب، ولوط.

وقال محمد بن كعب القرظي في قوله: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قال: دخل في السلام والبركة، كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، ودخل في المتاع والعذاب كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة. ويقال: إنهم لمَّا خرجوا من السفينة، بنوا مدينة وسموها مدينة الثمانين، ويقال: ماتوا كلهم ولم يكن منهم نسل، إلا من أولاد نوح عليه السلام، وكان له ثلاثة بنين: سام، وحام، ويافث، سوى الذي غرق كما قال في موضع آخر: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ [الصافات: 77] .

[سورة هود (11) : آية 49]

تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)

قوله تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ يعني: ما سبق من ذكر نوح وقومه يعني: من أخبار الغيب، يعني: أحاديث ما غاب عنك، فكان في إخبار النبي، صلّى الله عليه وسلّم عن قصته دلالة نُبُوَّته، لأنه لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015