القراءة عندنا بالكسر، للإضافة إلى نفسه، كما اتفقوا في قوله: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ [يوسف:
5] وفي لقمان: يا بُنَيَّ إِنَّها [لقمان: 16] وإنما فرق عاصم فيهما لمكان يرى الألف الحقيقية التي في قوله: ارْكَبْ.
قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لاَ عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
قالَ سَآوِي يعني: قال ابنه: سأصعد إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ يعني: يمنعني من الغرق، ولا أؤمن، ولا أركب السفينة، قالَ نوح: لاَ عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يقول: لا مانع اليوم من عذاب الله، أي الغرق، لا جبل ولا غيره إِلَّا مَنْ رَحِمَ يعني: إلا من آمن، فعصمه تعالى.
ثم قال: وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ يعني: فرَّقَ بين كنعان وبين الجبل الموج، وهذا قول الكلبي. وقال مقاتل: وَحالَ بَيْنَهُمَا، يعني: بين نوح وابنه الموج، فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ يعني: فصار من المغرقين.
وروي عن ابن عباس: «أنه أمطرت السماء أربعين يوماً، وخرج ماء الأرض أربعين يوماً الليل والنهار، فذلك قوله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر: 11- 12] وارتفع الماء على كل جبل في الأرض، خمسة عشر ذراعاً. وروي عن الحسن أنه قال: «ارتفع الماء فوق كل جبل وكل شيء، ثلاثين ذراعاً. وسارت بهم السفينة، فطافت بهم الأرض كلها في خمسة أشهر، ما استقرت على شيء، حتى أتت الحرم فلم تدخله، ودارت بالحرم أسبوعاً، ورفع البيت الذي بناه آدم إلى السماء السادسة، وهو البيت المعمور، وجعل الحجر الأسود على أبي قبيس. ويقال: أودع فيه، ثم ذهبت السفينة في الأرض حتى انتهت بهم إلى الجودي، وهو جبل بأرض الموصل، فاستقرت عليه بعد خمسة أشهر» .
قال ابن عباس: «ركب نوح السفينة لعشر مضين من رجب، وخرج منها يوم عاشوراء، فذلك ستة أشهر، فلما استقرت على الجودي، كشف نوح الطبق الذي فيه الطير، فبعث الغراب ليأتيه بالخبر، فأبصر جيفة فوقع عليها، فأبطأ على نوح فلم يأته، ثم أرسل الحدأة على أثره، فأبطأت عليه، ثم أرسل بالحمامة فلم تجد في الأرض موضعا، فجاءت بورق الزيتون، فعرف نوح أن الماء قد نقص، فظهرت الأشجار، ثم أرسلها فوقعت على الأرض، فغابت رجلاها في الطين فجاءت إلى نوح، فعرف أن الأرض قد ظهرت، وذلك قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ معناه: ماءك الذي خرج منك وَيا سَماءُ أَقْلِعِي يعني: احبسي وامسكي وَغِيضَ الْماءُ يعني: نقص الماء، وظهرت الجبال والأرض، وَقُضِيَ الْأَمْرُ يعني: فرغ من الأمر،