جبريل عليه السلام يناجي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال له ذات يوم: «يا محمد ما غاظني عبد من عباد الله تعالى مثل ما غاظني فرعون، لمّا أدركه الغرق، قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ فخشيت أن تدركه الرحمة، فضربت بيدي في البحر، فأخذت كفاً من حمئه، وربما قال: من طينه فكبسته في فيه، فما نبس بكلمة» .
قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يقول: نخرجك من البحر بجسدك. وقال أبو عبيدة: نلقيك على نجوة من الأرض، والنجوة من الأرض: ما ارتفع منها بِبَدَنِكَ أي:
وحدك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يعني: عبرة لمن بعدك من الكفَّار، لكيلا يدَّعوا الربوبية. وقال قتادة: لمّا أغرق الله فرعون، لم تصدق طائفة من الناس بذلك، فأخرجه الله تعالى من البحر ليكون لهم عظة وآية. وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا يعني: عن هلاك فرعون لَغافِلُونَ يخالفون ولا يعتبرون.
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ يعني: أنزلنا بني إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ يعني:
منزل صدق، وهو أرض مصر. وذلك أن الله تعالى قد وعد لهم بأن يورِّثهم أرض مصر، فلما غرق فرعون، رجع موسى عليه السلام ببني إسرائيل، إلى أرض مصر، فنزلوا بها وسكنوا الدِّيار. ويقال: مُبَوَّأَ صِدْقٍ يعني: أرضاً كريمة، يعني: أرض الأردن وفلسطين. ويقال:
منزلا حسنا، وقال قتادة: أرض الشام، ويقال: الأرض المقدسة. وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني: من ميراث أهل مصر، وأهل الشام. فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ فما اختلفوا في الدين حتى جاءهم الكتاب، يعني: جاءهم موسى عليه السلام بعلم التوراة، فاختلفوا من بعد يوشع بن نون. ويقال: فما اختلفوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم حتى جاءهم العلم، يعني: خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجاء بالقرآن إليهم، لأنهم لم يزالوا مؤمنين به، وذلك أنهم يجدونه مكتوباً عندهم، فلما جاءهم محمد صلّى الله عليه وسلّم جحدوا به بعد العلم. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من الذين آمن به بعضهم، وكفر به بعضهم.
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (97)
قوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ- والله أعلم أنه لم يشكّ ولا يشكّ،