يعني: كفرت وأشركت بالله تعالى، ما فِي الْأَرْضِ يعني: لو كان لها مَا فِى الارض جَمِيعاً يعني: النفس لَافْتَدَتْ بِهِ يعني: النَّفس لافتدت مِن سُوء العذاب، أي لا ينفعها لها ولا يُقبَل منها. وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ يعني: أخفوا النَّدامة، يعني: أن القادة أخفوا الندامة من السَّفلة، لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حين نزل بهم العذاب، وعاينوه وشاهدوه. وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ بين القادة والسفلة بالعدل، ويقال: قُضِيَ بَيْنَهُمْ، يعني: الخلق بالعدل، فيعطي ثوابهم على قدر أعمالهم. ويقال: يقضي بين الكفَّار بالعدل، وبين المؤمنين بالفضل. ثم قال:
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ يعني: لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً.
ثمَّ بيَّن استغناءه عن عبادة الخلق وقدرته عليهم، فقال: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: كلُّهم عبيده وإماؤه، وهو قادر عليهم. ويقال: كلُّ شيء يدلُّ على توحيده، وأنَّ له صانعاً. أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني: بالبعث بعد الموت هو كائن. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ يعني: لا يُصدِّقون به. ثم قال تعالى: هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في الآخرة، فيجازيكم بأعمالكم.
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ يعني: يا أهل مكَّة، ويقال: جميع النَّاس، قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعني: نهياً من ربِّكم عن الشِّرك على لسان نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ يعني: القرآن شفاء للقلوب من الشِّرك. ويقال: شفاء من العمى، لأن فيه بيان الحلال والحرام وَهُدىً من الضلالة، ويقال: صواباً، وبياناً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يعني: القرآن نعمة من الله تعالى على المؤمنين، يمنع العذاب عمّن آمن، وعمل بما فيه.
قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ، يعني: قل يا مُحمَّد للمؤمنين: بفضل الله والإسلام وَبِرَحْمَتِهِ القرآن. وروي عن ابن عباس: «أنه بِفَضْلِ اللَّهِ يعني القرآن، وَبِرَحْمَتِهِ الإسلام» ، يعني: بنعمته عليكم إذ أكرمكم بالإسلام والقرآن، وهكذا قال أبو سعيد الخِدْرِيّ.
وقال الضَّحَّاك، ومجاهد: بفضل القرآن، وبرحمته الإسلام. وقال مقاتل: بفضل الله الإسلام، وبرحمته القرآن. وعن الحسن مثله وقال القُتَبِيّ مثله. فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا يعني: بالقرآن والإيمان هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الأموال. قرأ ابن عامر: فبذلك فلتفرحوا هو خير ممّا تجمعون بالتاء كلاهما على معنى المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى المغايبة.