بالظن، ومعناه: أنهم يتركون عبادة الله وهو الحق، لأنهم يقرون بأن الله خالقهم، فيتركون الحق ويتبعون الظن. إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً، يعني: علمهم لا يغني من عذاب الله شيئا، ويقال: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ يعني: ما قذف الشيطان في أوهامهم لا يستطيعون أن يدفعوا الباطل بالحق. ويقال: وَما يَتَّبِعُ يعني: وما يعمل أكثرهم إِلَّا ظَنًّا يظنون في غير يقين وهم الرؤساء، وأما السفلة فيطيعون رؤساءهم إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ من عبادتهم الأصنام وما يقولون من القول المختلق والكذب.

ثم قال: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى، يعني: لهذا القرآن أن يختلق مِنْ دُونِ اللَّهِ تعالى. وقال القتبي: أي وما كان هذا القرآن أن يضاف إلى غير الله أو يختلق، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني: نزل بتصديق الذي بَيْنَ يَدَيْهِ من التوراة والإنجيل. ويقال: معناه، ولكن بتصديق النبي الذي أنزل القرآن الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني: الذي هو قبل سماعكم، لأن القرآن تصديق لما جاء من أنباء الأمم السابقة وأقاصيص أنبيائهم، وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ يعني: بيان كل شيء، ويقال: بيان الحلال والحرام. لاَ رَيْبَ فِيهِ، يعني: لا شك فيه عند المؤمنين إنه نزل مِن عند رَبِّ الْعالَمِينَ.

قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ يعني: أيقولون افتراه؟ وهم كفار مكة. افْتَراهُ يقول: تقوّله من تلقاء ذات نفسه. قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، يعني: مثل القرآن وَادْعُوا، يعني: استعينوا على ذلك مَنِ اسْتَطَعْتُمْ ممن تعبدون. مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بأنه تقوَّله من تلقاء نفسه. فلما قال لهم ذلك، سكتوا ولم يجيبوا، فنزل قوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، يعني: بما لم يعلموا بِعِلْمِهِ، يعني: القرآن لم يعلموا بما فيه. ويقال: لم يعلموا ما عليهم بتكذيبهم. وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، يعني: ولما يأتهم عاقبة ما وعدوا في هذا القرآن، يعني:

سيأتيهم ما وعد لهم، وهو كائن في الدنيا بالعذاب، وفي الآخرة بالنار.

ثم قال: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يعني: هكذا كذب الأمم الخالية رسلهم.

فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ، يعني: كيف صار جزاء المكذبين لرسلهم. فيه تعزية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحثّ له على الصبر، وتخويف لهم بالعقوبة.

[سورة يونس (10) : الآيات 40 الى 43]

وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لاَ يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لاَ يُبْصِرُونَ (43)

قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، يعني: بالقرآن. وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015