فقال: فَاعْبُدُوهُ، يعني: وحدوه وأطيعوه. أَفَلا تَذَكَّرُونَ، يعني: أفلا تتعظون بالقرآن؟
ويقال: أفلا تتعظون بأن لا تعبدوا من لا يملك شيئاً، وتعبدون من يملك الدنيا وما فيها؟ قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص تَذَكَّرُونَ بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، لأن أصله تتذكرون فأدغم إحدى التاءين في الذال وأقيم التشديد مقامه.
ثم خوفهم فقال: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً، يعني: مرجع الخلائق كلهم يوم القيامة.
وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا، يعني: البعث كائناً وصدقاً. وقال الزجاج: وَعْدَ اللَّهِ صار نصباً على معنى وعدكم الله وعداً، لأن قوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ معناه: الوعد بالرجوع إليه. إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قال أهل اللغة: الياء صلة ومعناه: إنه بدأ الخلق ثم يعيده، يعني: خلق الخلق في الدنيا ثم يحييهم بعد الموت يوم القيامة، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني: لكي يثبت الذين آمنوا بالبعث بعد الموت، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ يعني: عملوا الطاعات بالعدل وقال الضحاك: يعني: الذين قاموا بالعدل وأقاموا على توحيده، يعطيهم من رياض الجنة حتى يرضوا. وَالَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: ويجزي الذين كفروا.
ثم بينّ جزاءهم، فقال تعالى: لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ، يعني: ماءً حاراً قد انتهى حره، وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ يعني: يجحدون بالرسالة والكتاب.
ثم ذكَّرهم النعم، لكي يستحيوا منه ولا يعبدوا غيره، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً بالنهار وَالْقَمَرَ نُوراً بالليل، ويقال: جعل الشمس ضياء مع الحر، والقمر نوراً بلا حر، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ يعني: جعل الليل والنهار منازل يزيد أحدهما وينقص الآخر، ولا يجاوزان المقدار الذي قدره. ويقال قَدَّرَهُ يعني: القمر مَنازِلَ كل ليلة بمنزلة من النجوم، وهي ثمانية وعشرون منزلاً في كل شهر. وهذا كقوله وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس:
39] لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ يعني: لتعلموا بالقمر حساب السنين والشهور، كقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة: 189] .
ثم قال: مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ، يعني: لتعلموا عدد السنين والحساب، ولتعتبروا وتعلموا أن له خالقاً ومدبراً وهو قادر على أن يحيي الموتى. ثم قال: يُفَصِّلُ الْآياتِ، يعني:
يبيِّن العلامات، يعني: علامة وحدانيته لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، يعني: لمن كان له عقل وذهن وتمييز. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص يُفَصِّلُ الْآياتِ بالياء، وقرأ الباقون بالنون، ومعناهما قريب.
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)