القول كلهم، فمن وافق قوله فعله فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبّخ نفسه» . وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، يعني: يوم القيامة، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدنيا.

قوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ، يعني: موفقون لأمر الله. وقال القتبي:

مؤخرون على أمر الله، ويقال: متروكون لأمر الله تعالى لهم ويقال مؤخر أمرهم، ولم يبيّن شيء، فنزلت هذه الآية في الثلاثة الذين تخلفوا، وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. ثم بيَّن توبتهم في الآية التي بعد هذه وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. قرأ حمزة والكسائي ونافع مُرْجَوْنَ بغير همز، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالهمز، واختلف عن عاصم وابن عامر، وأصله من التأخير إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ بتخلفهم، وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، يعني:

يتجاوز عنهم. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بهم، حَكِيمٌ يحكم في أمرهم ما يشاء.

[سورة التوبة (9) : الآيات 107 الى 108]

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً، يعني: بنوا مسجداً مضرة للمسلمين.

وقال القتبي: يعني مضارة، ليضاروا به مخالفيهم، أي: ليدخلوا عليهم المضرة، وَكُفْراً يعني: وإظهاراً للكفر، وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. قرأ نافع وابن عامر الَّذِينَ اتَّخَذُوا بغير واو، وقرأ الباقون بالواو ومعناهما واحد، إلا أن الواو للعطف.

نزلت الآية في سبعة عشر من المنافقين من بني عمرو بن عوف، قالوا: تعالوا نبني مسجداً يكون فيه متحدثنا ومجمع رأينا. فانطلقوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألوه أن يأذن لهم في بناء المسجد، وقالوا: قد بعُد علينا المسير إلى الصلاة معك، فتفوتنا الصلاة، فاذن لنا أن نبني مسجداً لذوي العلّة والليلة المطيرة. فأذن لهم، وكانوا ينتظرون رجوع أبي عامر الراهب من الشام، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم سماه فاسقاً، وقال: «لا تَقُولُوا رَاهِبٌ ولكن قُولُوا فَاسِقٌ» ، وقد كان آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم مرتين ثم رجع عن الإسلام، فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمات كافراً. فلما ظهر أمرهم ونفاقهم، جاءوا يحلفون إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى أي: أردنا ببنيانه خيرا فنزل وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً يعني: بنوا المسجد للضرار والكفر وللتفريق بين المؤمنين، لكي يصلي بعضهم في مسجد قباء، وبعضهم في مسجدهم، وليجتمع الناس إلى مسجدهم ويتفرق أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يعني: انتظاراً لمن هو كافر بالله ورسوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015