قيل له وقال القتبي: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، يعني: إن كان الأمر كما يذكرون فهو خير لكم، ولكنه يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ، يعني: يصدق الله ويصدق المؤمنين لا أنتم. والباء واللام زائدتان، يعني: يصدق الله ويصدق محمد المؤمنين، فذلك قوله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ يعني: من المنافقين من يؤذي النبي وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ يعني: سامع لمن حدثه.
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ. قراءة العامة قُلْ أُذُنُ بغير تنوين خَيْرٍ لَكُمْ بكسر الراء وقرأ بعضهم: أُذُنٌ بالتنوين خَيْرٍ بالتنوين والضم. فمن قرأ أذُنٌ بالتنوين، فمعناه إن كان محمد كما قلتم أذنٌ فهو خيرٌ لكم أي: صلاح لكم. ومن قرأ بالكسر فهو على الإضافة، أي أذن خير لكم وأذن رحمة- وقرأ نافع أُذُنٌ بجزم الذال والباقون بالضم، وهما لغتان «1» -.
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، يعني: يصدق بالله تعالى في مقالته، وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يعني: يصدق قول المؤمنين، وَرَحْمَةٌ يعني: نعمة لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، في السر والعلانية وقرأ حمزة وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ على معنى الإضافة، يعني: أذن رحمة، وقرأ الباقون وَرَحْمَةٌ بالضم على معنى الاستئناف. وقرأ نافع أُذُنٌ بجزم الذال بضمة واحدة وقرأ الباقون بضمتين.
ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، يعني وجيع. ثم جاءوا إلى الرسول وحلفوا، فأخبر الله تعالى أنهم كاذبون في حلفهم، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ. قال الزجاج: لم يقل أحق أن يرضوهما، لأن في الكلام ما يدلّ عليه، لأن في رضى الله تعالى رضى الرسول فحذف تخفيفاً، ومعناه: والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه، كما قال الشاعر:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بَمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
أي: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض. ويقال: يكره أن يجمع بين ذكر الله تعالى وذكر رسوله في كتابة واحدة، ويستحب أن يكون ذكر الله تعالى مقدما ثم ذكر النبي عليه السلام مؤخراً. وذكر في بعض الأخبار: أن خطيباً قام عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال في خطبته: «من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ» «2» ، لأنه كان يجب أن يقول: وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فقد غوى. ثم قال: إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ، يعني:
مصدقين بقلوبهم في السر.
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66)