ثم يحجون في المحرم عامين، ثم يحجون في صفر عامين، وكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر رضي الله عنه الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم حج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من قابل في ذي الحجة وقال في خطبته: «ألا إن الزمان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السموات والأَرْضِ» «1» .

وروى أسباط، عن السدي أنه قال: «كان رجل من بني مالك بن كنانة، يقال له:

جنادة بن عوف، يكنى أبا أمامة، ينسئ عدد الشهور. وقال في رواية الكلبي: كان اسمه نعيم بن ثعلبة من بني كنانة. وقال في رواية مقاتل: كان اسمه ثمامة الكناني، وكانت العرب يشتد عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغير بعضهم على بعض، فإذا أرادوا أن يغيروا، قام الكناني يوم منى وخطب الناس وقال: إني قد أحللت لكم المحرم، وحرمت صفر لكم مكانه، فقاتل الناس في المحرم. فإذا كان صفر، غمدوا السيوف ووضعوا الأسنة، ثم يقوم من قابل ويقول:

إني قد أحللت صفر وحرمت المحرم «2» . يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بتأخير المحرم إلى صفر، فذلك قوله: يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ قرأ ابن كثير «3» : إِنَّمَا النَّسِيءُ بتشديد الياء بغير همز، وقرأ الباقون بالتخفيف والهمزة ومعناها واحد. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بضم الياء ونصب الضاد على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون يُضَلُّ بِهِ بفتح الياء وكسر الضاد، ويكون معناه: تأخيرهم عمل يضل به الذين كفروا، يحلونه عاماً ويقاتلون فيه، ويحرمونه عاماً ولا يقاتلون فيه، لِيُواطِؤُا يعني: ليوافقوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ، يعني: حسن لهم قبح أعمالهم. وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ، يعني: لا يرشدهم إلى دينه مجازاة لكفرهم.

[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 39]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يعني: في الجهاد اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، يعني: تثاقلتم، فأدغم التاء في الثاء، وحذفت الألف لتسكين ما بعدها يعني: قعدتم ولم تخرجوا. وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر الناس بالخروج إلى غزوة تبوك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015