إلا الله. ومعناه: لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين، لأن أهل الكتاب كانوا يقرون بالله، ولكنهم قالوا: لله ولد، وأقروا بالبعث، ولكنهم لا يقرون لأهل الجنة بالنعمة، ولأنهم لا يقرون بالأكل والشرب والجماع ولا يقرّون كما أعلم الله تعالى فليسوا يدينون بدين الحق، يعني: دين الإسلام ويقال: دين الله تعالى، لأن الله تعالى هو الحق، فأمر الله تعالى بقتلهم إلا أن يعطوا الجزية. وهو قوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ قال بعضهم: عن قهر وذلّ، كما تقول: اليد في هذا لفلان، يعني: الأمر النافذ لفلان. ويقال: عَنْ يَدٍ، يعني: عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية وترك أنفسهم يد ونعمة عليهم. ويقال: عن اعتراف للمسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم. ويقال: عَنْ يَدٍ يعني: عن قيام، يمشون بها صاغرين، تؤخذ من أيديهم. وقال الأخفش: يعني: كرهاً. وَهُمْ صاغِرُونَ، يعني: ذليلين.
قال الفقيه: قتال الكفار على ثلاثة أنواع: في وجه: يقاتلون حتى يسلموا ولا يقبل منهم إلا الإسلام، وهم مشركو العرب والمرتدون من الأعراب أو من غيرهم. وفي وجه: يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وهم اليهود والنصارى والمجوس. فأما اليهود والنصارى فبهذه الآية، وأما المجوس فبالخبر، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ» «1» وفي الوجه الثالث: اختلفوا فيه، وهم المشركون من غير العرب وغير أهل الكتاب، مثل الترك والهند ونحو ذلك، في قول الشافعي: لا يجوز أخذ الجزية منهم، وفي قول أبي حنيفة وأصحابه: يجوز أخذ الجزية منهم، كما يجوز من المجوس، لأنهم من غير العرب.
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. قرأ عاصم والكسائي عُزَيْرٌ بالتنوين، وقرأ الباقون بغير تنوين فمن قرأ بالتنوين، فلأنّ الابن خبر، وليس بنسبة، ومن قرأ بغير تنوين فلالتقاء الساكنين، كما قرأ بعضهم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: 1] بغير تنوين. فلا اختلاف بين النحويين: أن إثبات التنوين أجود من طريق أهل اللغة. وإنما قالت اليهود ذلك، لأنه لما خرّب بخت نصّر بيت المقدس وأحرق التوراة، حزنوا على ذهاب التوراة، فأملاها عليهم عزير صلوات الله عليه عن ظهر قلبه، فتعلموها وفي أنفسهم منها شيء مخافة أن يكون قد