جعلا لغيره شركاً، لأنهما لا ينكران أن الأصل لله تعالى. وإنَّما جعلا لغيره شركاً أي نصيباً.
قيل له: معناه جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ يعني: ذا شرك. فذكر الشرك والمراد به شركه كقوله تعالى:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 12] أي أهل القرية فضرب الله تعالى بهذا مثلاً للكفار يعني: كما أن آدم وحواء أعطاهما ورزقهما فاشركوا في عبادته.
ثم نزه نفسه عن الشرك فقال تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي هو أعلى وأجلّ من أن يوصف بالشرك.
ثم رجع إلى قصة الكفار فقال الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً يعني: أيشركون الآلهة مع الله تعالى وهم كفار مكة ما لا يخلق شيئاً وهي الآلهة وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ يعني:
لا يستطيعون أن يمتنعوا مما نزل بهم من العذاب وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى قال الكلبي يعني: الآلهة. وإن يدع المشركون آلهتهم إلى أمر لاَ يَتَّبِعُوكُمْ يعني: لا يتّبعهم آلهتهم سَواءٌ عَلَيْكُمْ يا أهل مكة أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ لا تعقل شيئاً لأنه ليس فيها روح.
وقال مقاتل: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى يعني: كفار مكة لاَ يَتَّبِعُوكُمْ لا يتبعونكم يعني:
النبيّ صلّى الله عليه وسلم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون فلا يؤمنون قرأ نافع لاَ يَتَّبِعُوكُمْ بجزم التاء وقرأ الباقون بالنصب والتشديد لاَ يَتَّبِعُوكُمْ وهما لغتان تبعه وأتْبعه معناهما واحد.
ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ يعني: تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: الأصنام عِبادٌ أَمْثالُكُمْ يعني: مخلوقين مملوكين أشباهكم وليسوا بآلهة فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنها آلهة.
ثم قال عز وجل: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها يعني: في حوائجكم أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها يعني: يعطون بها ويمنعون عنكم الضر أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها يعني: عبادتكم أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها يعني: دعاءكم وقد احتجت المشبهة بهذه الآية أن من لا يكون له يد ولا رجل ولا بصر لا يصلح أن يكون إلها. ولكن لا حجة لهم في ذلك لأن الله تعالى بيّن ضعف معبودهم وعجزهم، وبيّن أنهم اشتغلوا بشيء لا فائدة فيه ولا منفعة لهم في ذلك.
ثم قال: قُلِ يا محمد يعني: لكفار مكة ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ يعني: آلهتكم ثُمَّ كِيدُونِ يعني: اعملوا بي ما شئتم فَلا تُنْظِرُونِ يعني: لا تمهلون ولا تؤجلون لأنهم خوفوه بآلهتهم قرأ أبو عمرو ثُمَّ كيدوني بالياء في حال الوصل وقرأ الباقون بغير الياء.
ثم قال عز وجل:
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لاَ يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)