ثم بيّن جزاءهم وثوابهم إن فعلوا ذلك فقال: لَأُكَفِّرَنَّ أي لأمحونَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ يعني ذنوبكم وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثم قال: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ العهد والميثاق مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ يعني أخطأ قصد الطريق. ثم قال عز وجل:

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ يعني لما أخذ عليهم الميثاق نقضوا الميثاق، فبنقضهم ميثاقهم لَعَنَّاهُمْ أي لعنهم الله، يعني طردهم من رحمته. ويقال: لَعَنَّاهُمْ يعني عذبناهم بالمسخ.

ويقال: بالجزية. ثم قال: وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يعني يابسة، ويقال: خالية عن حلاوة الإيمان. قرأ حمزة والكسائي قاسِيَةً بغير ألف، وقرأ الباقون قاسِيَةً ومعناهما واحد ويقال: قست فهي قاسية وقسية. ثم قال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ والكلم جمع كلمة، يعني يغيرون صفة محمد صلى الله عليه وسلم عَنْ مَواضِعِهِ يعني في كتابهم مما وافق القرآن، يعني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم، ويقال: استحلوا ما حرم الله تعالى عليهم ولم يعملوا به، فكان ذلك تغيير الكلم عن مواضعه. ثم قال: وَنَسُوا حَظًّا يعني تركوا نصيباً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعني مما أمروا به في كتابهم وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ يعني لا يزال يظهر لك منهم الخيانة ونقض العهد.

وقال القتبي عن أبي عبيدة: إن العرب تضع لفظ الفاعل في موضع المصدر، كقولهم للخوان مائدة، وإنما يميد بهم ما في الخوان فيجوز أن يكون الهاء صفة للخائن، كما يقال رجل طاغية وراوية للحديث. ثم قال: إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ يعني: مؤمنيهم لم ينقضوا العهد فَاعْفُ عَنْهُمْ يعني اتركهم ولا تعاقبهم وَاصْفَحْ عَنْهُمْ يعني: أعرض عنهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الذين يعفون عن الناس، وهذا قبل الأمر بقتال أهل الكتابين. قوله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى وذلك أن الله تعالى لما ذكر حال اليهود ونقضهم الميثاق، فقال على أثر ذلك إن النصارى لم يكونوا أحسن معاملة من اليهود، ثم بيّن معاملتهم فقال: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ في الإنجيل، بأن يتبعوا قول محمد صلى الله عليه وسلم فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ يعني تركوا نصيباً مما أمروا به في الإنجيل من اتباع قول محمد صلى الله عليه وسلم، ويقال: نقضوا العهد كما نقض اليهود، ويقال إنما سموا أنفسهم النصارى لأنهم نزلوا قرية يقال لها «ناصرة» ، نزل فيها عيسى- عليه السلام- فنزلوا هناك وتواثقوا بينهم، ويقال: إنما سموا النصارى لقول عيسى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [آل عمران: 52، والصف: 14] .

ثم قال: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ يعني ألقينا بينهم العداوة وَالْبَغْضاءَ ويقال: الإغراء في أصل اللغة الإلصاق، يقال: أغريت الرجل إغراءً إذا ألصقت به. ويقال: إن أصل العداوة التي كانت بينهم ألقاها إنسان يقال له «بولس» ، كان بينه وبين النصارى قتال، وكان يهودياً فقتل منهم خلقاً كثيراً، فأراد أن يحتال بحيلة يلقي بينهم القتال ليقتل بعضهم بعضاً، فجاء إلى النصارى، وجعل نفسه، أعور وقال لهم: أتعرفوني؟ فقالوا: أنت الذي قتلت منا وفعلت ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015