[الأنعام: 145] وأما الدم الذي بقي بعد الإنهار فهو مباح، مثل الطحال والكبد والصفرة التي بقيت في اللحم. ثم قال: وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ يعني أكل لحم الخنزير، فذكر اللحم والمراد به اللحم والشحم وغير ذلك، وهذا حرام بإجماع المسلمين. ثم قال: وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ يعني حرم عليكم أكل ما ذبح لغير الله، وأصل الإهلال رفع الصوت، ومنه استهلال الصبي، وإهلال الحج، وإنما سمي الذبح إهلالاً لأنهم كانوا يرفعون الصوت عند الذبح بذكر آلهتهم، فحرم الله تعالى ذلك. ثم قال: وَالْمُنْخَنِقَةُ وهي الشاة التي تختنق فتموت، وكان بعض أهل الجاهلية يستحلون ذلك ويأكلونها. ثم قال: وَالْمَوْقُوذَةُ يعني: حرم عليكم أكل الموقوذة وهي التي تضرب بالخشب فتموت، وأصله في اللغة هي الإشراف على الهلاك، فإذا ضرب بالخشب حتى أشرف على الموت ثم يتركه يقال: وقذه ويقال فلان وقيذ وقذته العبادة أي ضعف وأشرف على الهلاك. ثم قال: وَالْمُتَرَدِّيَةُ وهي الشاة التي تخر من الجبل، أو تتردى في بئر فتموت وَالنَّطِيحَةُ وهي الشاة التي تنطح صاحبها فيقتلها. ثم قال: وَما أَكَلَ السَّبُعُ وهي فريسة السبع، فحرم الله تعالى أكل هذه الأشياء كلها على المؤمنين، ثم استثنى فقال: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ يعني إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموه قبل أن يموت فلا بأس بأكله.
قال القتبي: أصل الذكاة من التوقد، يقال ذكيت النار إذا ألقيت عليها شيئاً من الحطب، وإنما سميت الذكية ذكية لأنها صارت بحال ينتفع بها. وقال الزجاج: أصل الذكاة تمام الشيء.
وقوله: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ يعني ما أدركتم ذبحه على التمام. ثم قال: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ قال القتبي: النصب هو حجر أو صنم منصوب، كانوا يذبحون عنده وجمعه أنصاب، ويقال:
كانوا يذبحون لأعيادهم باسم آلهتهم. ثم قال: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ والأزلام القداح، واحدها زلم على ميزان قلم وأقلام، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يجتمعون عشرة أنفس ويشترون جزوراً، وجعلوا لحمه على تسعة أجزاء، وأعطى كل واحد منهم سهماً من سهامه، فجمعوا السهام عند واحد منهم أو شيء من الأحجار، ثم يخرج هذا الرجل واحداً واحداً من السهام، فكل من خرج سهمه يأخذ جزءاً من ذلك اللحم، فإذا خرج تسعة من السهام لا يبقى شيء من اللحم، ولا يكون للذي بقي اسمه آخراً شيء من اللحم، وكان ثمن الجزور كله عليه. وكان نوع آخر أنهم كانوا يجعلون عشرة من القداح، وكان لكل واحد منها سهم، ولم يكن لثلاثة منها نصيب من اللحم، وهو السفيح والمنيح والوغد، وكان للسبعة لكل سهم نصيب وهو: القذ، والتوأم، والرقيب، والمعلى، والحلس، والناقس، والمسبل. ويقال: كان إذا أراد واحد منهم السفر أخرج سهمين من القداح، في واحد منها مكتوب أمرني ربي، وفي الآخر نهاني ربي، فيخرج أحدهما، فإن خرج باسمه أمرني ربي وجب عليه الخروج ولم يجز له التخلف، وإن خرج الآخر لا يسعه الخروج، فنهى الله تعالى عن ذلك كله بقوله: ذلِكُمْ فِسْقٌ يعني هذه الأفعال معصية وضلالة واستحلالها كفر.