ذلِكَ
كله ولم نستأصلهم وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً أي حجة بينة، وهي اليد والعصا وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ يقول: قلعنا فوقهم الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ يعني بإقرارهم بما في التوراة حين أبوا أن يتقبلوا الشرائع وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً يعني باب أريحة منحنية أصلابهم وَقُلْنا لَهُمْ لاَ تَعْدُوا فِي السَّبْتِ يقول: لا تستحلوا أخذ السمك في يوم السبت. قرأ نافع في رواية ورش لاَ تَعْدُوا بالتشديد، لأن أصله لا تعتدوا، فأدغم التاء في الدال وأقيم التشديد مقامه.
وقرأ الباقون لاَ تَعْدُوا بالتخفيف من عدا يعدو عدواناً.
ثم قال تعالى: وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً يعني إقراراً وثيقاً شديداً في التوراة، يعني تركوا هذه الأشياء كلها ونقضوا الميثاق. ثم قال عز وجل: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ ولم يذكر في هذه الآية جوابهم، والجواب فيه مضمر فكأنه قال: وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غليظاً، فبنقضهم الميثاق لعنهم الله تعالى وخذلهم كقوله فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ [النساء: 155] ثم قال: وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ يعني بكفرهم بآيات الله لعنهم الله وخذلهم. ثم قال تعالى: وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ يعني: وبقتلهم الأنبياء بغير جرم وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ يعني: ذا غلاف ولا نفقه حديثك، وقرأ بعضهم: غلف بضم اللام وجماعة الغلاف يعني أن قلوبنا أوعية لكل علم ولا نفقه حديثك. قال الله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها يعني ختم الله على قلوبهم بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي لا يؤمنون إلا قليل منهم ويقال لا يؤمنون إلا بالقليل لأنهم آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وقال مقاتل: يعني ما أقل ما يؤمنون، يقول: بأنهم لا يؤمنون البتة.
ثم قال تعالى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً وذلك أن مريم كانت متعبدة لله تعالى ناسكة، اصطفاها الله تعالى بولد بغير أب، فعيرها اليهود واتهموها وقذفوها بيوسف بن ماثان، وكان يوسف خادم بيت المقدس ويقال: كان ابن عمها، فأنزل الله تعالى إكذاباً لقولهم وبيّن بهتانهم فقال: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً يعني لعنهم الله وخذلهم بذلك وَقَوْلِهِمْ أي وبقولهم إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ هذا قول الله لا قول اليهود وقول اليهود إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مَرْيَمَ. ثم قال الله تعالى رَسُولَ اللَّهِ يعني الذي هو رسول الله وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتله هرب منهم ودخل في بيت، فأمر ملك اليهود رجلاً يدخل البيت يقال له يهوذا ويقال ططيانوس، فجاء جبريل عليه السلام ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء، فلما دخل الرجل إلى البيت لم يجده، فألقى الله شبه عيسى عليه، فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه. ثم قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا فيما بينهم، فأنزل الله تعالى إكذاباً لقولهم فقال: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ يعني ألقي شبه عيسى على غيره فقتلوه. ثم قال وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي من قتله مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ يعني لم يكن عندهم علم يقين أنه قتل أو لم يقتل إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ أي قالوا قولاً بالظن وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً أي لم